مواكبُ اليوم التموزيّ المهيب
اعتدال صادق شومان
جرياً على تقاليدهم الحزبيّة العريقة، لبّى القوميون الاجتماعيون دعوة حزبهم إلى مهرجان مركزيّ حافل تقصّدوه جللاً مهيباً، شهدته ساحة ضهور الشوير، موئل الحزب عند المطلّ الشامخ لدار سعاده الثقافية الاجتماعية، تكريماً لشهيد الثامن من تموز الزعيم أنطون سعاده، لكونه ضمير الأمة ووعيها المتوهّج، وتخليداً لتلك «الوقفة»، بكلّ دلالاتها ذكرًى ومعنًى ومشهداً.
والحق يُقال، كان الاحتفال يوماً تموزياً بامتياز، وقد أُعدَّ له بما يتلاءم ويليق بالمناسبة، بكلّ ما تحمله من ألق الشهادة ودربها، وقد سارت على نهجها أجيال الحزب وفاضت عليها دماء غالية، فكانوا «خالدين» أبداً بسيَرهم، بفدائهم، بضياء أسمائهم وما برحوا ذاكرة الحزب.
وها هو يومٌ آخر يُضاف إلى خزين أيام الحزب الموصوفة بهيبتها وشموخها على امتداد تاريخه والراسخة في الذاكرة القومية الاجتماعية.
يومٌ آخر متجدّد على مدى خمسة وسبعين عاماً، يلتقي فيه رفقاء الدرب وهم على نذورهم «ثابتون فكراً ونهجاً» واثقون مؤمنون بالانتصار لعظمة المبدأ والعقيدة رغم العصف الأليم بالحزب، وبالجرح النازف على ثرى الجنوب وجنوب الجنوب.
خمسة وسبعون عاماً تشهد أنّ دم فجر الثامن من تموز ما زال أُوَاره لاهباً يقظاً في شرايين القوميين الاجتماعيين، فما خمدت لهم نار ولا بردت، فلا ظلام هاك اللحظة ولا ظلمها هان عندهم ولن يهون، غير أنهم يمتهنون ثقافة الانتصار على صروف الزمان ونوائبه و»غدر الغادرين» غير راضخين لشؤم الانكسار، وهم على ذلك أبناء عزّة لا تضيمهم ضائمة، ولا ينامون على حيف، ولهم من تاريخهم شواهد يعرفها القاصي والداني.
ولأن جراحهم جراح أعزاء، كابدوا على جرحهم التموزي وانتصروا عليه فحوّلوا وجعهم الدامي الأليم إلى احتفاء مضيء وذكرى تعطّر الزمان، بحضرة الزعيم معلماً وهادياً وشهيداً، لا انكساراً ولا استسلاماً، فمصابهم عزّ وشرطهم انتصار القضية، وما الحياة عندهم إلا وقفة عز فقط .
فلا القتال ولا توالي المحن، ولا سقوط من سقط، ولا المصطادون في الماء العكر، زعزعوا مثقال ذرّة، لا من ثباتهم ولا من عنفوانهم.
اجتازوا كلّ هذه الملمات وأبطلوا «مفاعيلها» على قاعدة أنّ لكلّ أمر مقتضاه.
وها هي مواكبهم، في هذا اليوم المهيب، تطلّ من كلّ فجّ عميق، من كلّ حدب وصوب، حضروا فأبكروا وعلى شمائلهم النظاميّة يطوفون بالمكان وفوق رؤوسهم زوابعٌ حمر تهلّ على دويّ هتاف واحد أحد حتميّ لتحيا سورية ويحيا الزعيم، مقصدهم وقبلتهم وإليه السبيل.
في المشهد العام المبهج للاحتفال، ليس بوسعنا أن نقول سوى «الله يبارك بالشباب» الذين نالوا الحظوة الكبيرة من الحضور لتدفّقهم العارم، جيل من الشباب رفيقات ورفقاء، من روافد المنتمين الجدد إلى صفوف الحزب، تماثلهم مواكب طلبة وأفواج كشفيّة إلى جانب الفرقة الموسيقيّة المرافقة للحفل، ليكتمل المشهد مع مهج القلوب من الأشبال بلباسهم الأبيض يعكس براءة طفولة «أطاحت» بالانتظام المهيب، فارضين صخب ضحكاتهم ومرحهم، فتكتمل الصورة ماثلة بكلّ بهائها، اكتمالاً سرمدياً كالحبل السريّ ممتداً بين شرايين الأجيال المتلاحق، أجيالاً تردف أجيالاً.
في حضرة الذكرى وعلى منبر المناسبة، تعلو كلمة الحزب، بما هي لغة قول وفعل وعنفوان لا ينضب، ألقه لمن هم أهلٌ في الحفاظ على نهج الحزب والعقيدة، معانيَ وقيماً وثباتاً، وإن عنى هذا الأمر شيئاً فهو أنّ صوت الحزب يبقى طاغياً وليس في هذا الأمر افتراء على الواقع، بل هو واقع صريح لا يمكن طمسه بأيّ ادّعاءات، فتاريخ القوميين الاجتماعيين زاخرٌ بالتضحيات والبطولات، وحكايا الملاح والإرث النضالي الكبير لهذا الحزب فعل بطولة وترانيم شهداء تبدأ حروف أبجديّتها ولا تنتهي…