ضهور الشوير شعلة نور في وجه الظلمات… وكلمات أنصفت أبناء الحياة!
د. كلود عطيّة
عميد الثقافة والفنون الجميلة
ضهور الشوير تُعيدنا إلى أمجاد المعلّم في الفكر والفلسفة والثقافة والسياسة والمقاومة، والكلمات تُعيدنا إلى الفكر الإنسانيّ كما إلى الفلسفة المدرحية الشاملة. هذه الكلمات العميقة تضمّنت رسالة وفاء إلى أنطون سعاده، كما تضمّنت تأكيداً واضحاً وصريحاً على المفاهيم القوميّة في المقاومة والصراع والنضال والنهضة والسياسة والإنسان والحقيقة وغيرها من القيم المجتمعيّة الإنسانيّة التي رسّخها سعاده من أجل تقديم رؤية جديدة لإنقاذ الأمة السورية من تخبّطها، والتي عكس من خلالها هموماً فكرية وحضارية متنوّعة تتمحور بمجملها حول نهضة الإنسان والأمة وتشدّد على “أن الحياة الإنسانيّة بلا مبادئ يتمسك بها الإنسان، ويبني بها شخصه ومعنى وجوده، هي باطلة”.
كما أكّدت الكلمات على أن سعاده كان مبدئياً بكل طروحاته وأصيلاً في فكره وتوجّهاته وخلاّقاً برؤيته وواضحاً بمفاهيمه وصريحاً بآرائه، حيث واجه الطائفية وصارع الفكر الديني المتطرّف الذي دمج بين اليهودية والصهيونية والتكفير. وما كانت المحاكمة الصوريّة للزعيم إلَّا لأنه كان يحذّر باستمرار، في خطبه وتصريحاته ومقالاته، من الخطر الاستيطاني الصهيوني في الجنوب السّوري.
لذلك، احتلّ النمط الفكريّ القوميّ المساحة الكاملة في الاحتفال، فكادت الكلمات أن تُحاكم قتلة الزعيم، إلا أنها أنكرت في الأساس وجودهم، وأكّدت على انتصار فكر المعلم واستمرار الحزب السوري القومي الاجتماعي في رفع شعار الزوبعة كشعلة للنور التي تنير بثقافة الحياة كل الأمم… وأدّى منطق الكلمات المقاومة الدور الأساسيّ في استعادة فكر الزعيم العظيم، هذه الكلمات التي وجدت لذاتها طريقًا ومكانًا في وجدان كل قوميّ ومواطن حضر في دار سعاده.
كما أن الصورة في دار سعاده الثقافية وفي يوم الفداء هي أصل الفكرة، ومشاهد الانتماء والوفاء هي نواة الحق الناطق اليوم، وكأن الأمين المؤتمن أبى إلّا أن يُعيدنا إلى سيرة النضال الأولى ودهشة البداية، قاصداً في كلمته العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والحزبية والوجدانية وعي المتلقي وعقله ووجدانه. فهو لا يعترف بأي شكل من الأشكال بالاستسلام أو المُهادنة، وهو لم يُهادن بالتأكيد في اختياراته وخياراته الحزبيّة والوطنيّة وقضايا المجتمع المحقّة، بل افتخر دوماً بعقيدته المقاومة التي صوّرها بذاته وروحه وكأنه يقدّم لنا مشهداً “سُريالياً”، ولكنه في الحقيقة مشهد يختصر أعواماً من النضال في سبيل قضية حق وعقيدة تساوي الوجود..
أكّد الاحتفال بكلمات رفقاء الدم والسلاح والكلمة والمواقف التاريخية على لحفاظ على الوحدة الوطنيّة والسلم الأهليّ، وأن الزمان هو زمان المقاومة التي عانقت بروحها فلسفة أنطون سعاده وعلمه وفكره ورؤيته، ولكن أكثر من ذلك هو زمان الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي قدّم الشهداء في مواجهة العدو الصهيوني كما في مواجهة الارهاب والطرف، وبقي الحزب الحاضر دائماً في ساحات النضال والمواجهة رغم كل ما أصابه من جراح وما تهدّده من مؤامرات وانقسامات وويلات وحروب إعلامية ممنهجة.
من هنا، فإنّ المقاربة العلميّة الموضوعيّة لما حصل في احتفال ضهور الشوير، تُختصر بنصٍّ فلسفيٍّ إنسانيٍّ مقاوم قائم على الأخلاق واحترام التاريخ الطويل من النضال في محاولة تأسيسيّة لمفترق حزبي عقائدي مقاوم، لو كُتبَ له النجاح لكان بداية لطريقٍ طويل.
هذا المفترقُ الذي سيُعيدُ القوميين عصبة واحدة نتيجة فعلٍ شعوريٍّ حاسمٍ، أنّ القوميّ، كلّ قوميّ، أصبح توأماً لروح قوميّ آخر ويمكن التعبير عنه بوعي، بمعزلٍ عن أيّ سلطةٍ خارجةٍ عنه، وفي أقصى مراحل التشتت والانقسام يعتبر هذا القومي “مركز الوجود وابن الحياة”.