كيفية إجبار الكيان الصهيوني على الانسحاب ووقف الحرب الإبادية؟
د. جمال زهران*
لعلّ السؤال الجادّ والواضح هو: كيف يمكن إجبار الكيان الصهيوني، على وقف الحرب الإبادية ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وإجبارهم على الانسحاب الكامل من غزة بشكل كامل، وبدون اتفاقيات، أو وساطات، أو صفقات، أو غيره، وكذلك كمقدّمة لتفكيك الكيان وانهياره، وإجبار الصهاينة على المسارعة بالهروب من أرض فلسطين المحتلة؟
الإجابة على هذا السؤال ليست عويصة أو معقدة، كما يتصوّر البعض، ولكنها تحتاج إلى عقيدة، وقوّة، وبرنامج مقاوم، حتى نصبح على خبر اختفاء هذا الكيان من خريطة المنطقة، ليحلّ محله، البلد والشعب، الأصلاء، أصحاب الأرض والقضية.
وقد ذكرت في مقالي، في الأسبوع الماضي، أنّ هناك ثلاثة مشاهد، في استشراف واقع الحال وتطورات «طوفان الأقصى»، بعد 9 أشهر، ودخلنا الشهر العاشر. وأنّ أقوى مشهدين هما: مشهد الاستنزاف للعدو الصهيوني، وهو الظاهر على مدار الفترة الماضية، حتى أصبح العدو الصهيوني يواجه الترنّح والتمزق والتفكك. فالخسائر في الميدان، بشراً وحجراً، في الجانب الصهيوني، من فعل المقاومة، أصبحت كبيرة، ودخل الجيش في مربع انهيار الروح المعنوية، كما أنّ السياسيين بقيادة النتن/ياهو، يحاربون للحرب، فيدمّرون الحجر ويقتلون البشر (نساءً وأطفالاً وشيوخاً، وشباباً)، بلا وازع من ضمير، ويرتكبون المجازر التي تعدّت الـ 4 آلاف مجزرة! كما أنّ الخلافات تصاعدت بدرجة كبيرة بين السياسيين والعسكريين، وأولياء أمور الأسرى، كما أنّ الانهيارات الاقتصادية تتصاعد بقوة، وصلت إلى توقف ما يقرب من نصف شركات ومؤسسات العملية الإنتاجية! حتى وصلت جملة الخسائر الاقتصادية شاملة تكلفة الحرب، نحو 100 مليار دولار!
في إطار هذا المشهد، فإنّ استمرار الحرب، واستمرار المقاومة، هو استمرار الاستنزاف وتفكيك بنية القوة العسكرية، وإضعاف قوة الجيش الصهيوني، الذي لم يستطع أن ينجز هدفاً واحداً، مما حدّده الجيش نفسه، أو حدّده السياسيون له!
وقد سخر السيد حسن نصر الله، في آخر خطبه، الأربعاء الماضي، من الكيان الصهيوني وجيشه، متحدّياً إياه، بالقول: ماذا فعلتم في رفح، ومساحتها 26 كم2، حيث قلتم – مخاطباً الصهاينة، إنّ العملية لن تستمر أكثر من أسبوع! امتدّت لشهرين، وقلتم إنكم في حاجة إلى ثلاثة أسابيع أخرى! ومع ذلك لن يُنجز جيشكم شيئاً، وسيضطر للخروج المخزي من رفح، نتيجة الفشل، وتصاعد المقاومة الفلسطينية، والخسائر الضخمة التي تكبّدها العدو الصهيوني في رفح!
وتساءل السيد حسن ساخراً، فهل بعد ذلك في رفح، تهدّدون لبنان، والجنوب بصفة خاصة، وهو الذي يمثل عشرة أضعاف مساحة رفح! مشيراً إلى أنه يتحدّى إنْ فكر الكيان الصهيوني في الاعتداء على الجنوب أو على لبنان، فسيكون مصيره، الزوال، والعودة إلى العصر الحجري!
إذن نحن بين مشهدين، لا ثالث لهما، وهما: مشهد الاستنزاف، وهو الحادث الآن، ومشهد التحوّل نحو التصعيد والحرب الكبرى، والفارق بينهما هو الزمن أو الوقت. فالاستنزاف واستمراره، سيؤدّي إلى النتيجة نفسها، حال لو تحوّل الوضع نحو الحرب الكبرى، ولكن يحتاج الاستنزاف بعض الوقت. وعلى العكس فإنّ الحرب الكبرى، ستنهي الوجود الصهيوني من أساسه، وبسرعة، وفي ظلّ متغيّرات، لا زلت عند رأيي، أنها مناسبة الآن، وليس غداً، كما سبق أن شرحت في مقالين سابقين.
على الجانب الآخر، تلعب جبهات الإسناد، في جنوب لبنان، وفي الجولان في سورية، وفي العراق، وفي اليمن، دوراً كبيراً في تشتيت قدرات جيش الكيان الصهيوني، بين أكثر من جبهة، حتى تباهى النتن/ياهو، بأنه يحارب على 7 جبهات! ولكنه نسيَ أنّ هذا الجيش الصهيوني فاشل، ولم يحقق أيّ إنجاز، إلا الهدم والقتل في المدنيين، ولم يكسر المقاومة، ولم يتمكّن من قتل أو اعتقال أيّ رمز فلسطيني مقاوم في غزة! ولذلك يذهب إلى الجنوب اللبناني، وإلى سورية، لاغتيال شخصيات بعينها، وتكون النتيجة وبالاً عليه. فها هي قوات المقاومة في الجنوب اللبناني فور اغتيال رمزين من رموز المقاومة في حزب الله، كان ردّ الفعل هو إطلاق أكثر من مئة صاروخ على أهداف محدّدة، أوقعت خسائر ضخمة في صفوف العدو، وقواعده العسكرية. فضلاً عما نشره حزب الله عن الهدهد/1، الذي صوّر كلّ ميناء حيفا، والهدهد/2، الذي صوّر كلّ قواعد جيش الكيان المحتلّ في الجولان!
لذلك أراد السيد حسن نصر الله، أن يقول، مخاطباً الكيان الصهيوني وجيشه، الذي دخل مرحلة الهلاك والدمار، في آخر خطبه، إنه إذا لم يكن هذا الجيش الذي أشيع أنه الجيش الذي لا يُقهر، قادراً، على رفح، فهل سيقدر على جيش المقاومة في لبنان، وكلّ جبهات الإسناد؟! لقد حكم السيد حسن، على جيش العدو، بأنه الجيش الذي لا يستطيع أن يقوم بأيّ هجوم على لبنان أو غيره، وإنْ تصرف بجنون وفكر في الهجوم، فإنّ رداً عنيفاً، بلا حدود وبلا سقف، وبلا قواعد، سوف ينال هذا الجيش الصهيوني، بل كلّ الكيان الذي دخل مربع الانهيار الكامل. وفي تقديري أنه دخل مرحلة الموت الإكلينيكي، مثل شارون وشامير (لمن يذكر)، ولم يتبقّ سوى الإعلان الرسمي عند الوفاة، عندما يكون ذلك مناسباً!
إنّ المشهد الذي أراه وقد حدث قريباً، أنّ جيش العدو الصهيوني، سيضطر إلى الرحيل من غزة، ومن رفح، ودون انتظار تعليمات السياسيين في حكومة الصهاينة، ودون انتظار لصفقة تبادل الأسرى. أيّ سيضطر هذا الجيش، إلى وقف إطلاق النار وإيقاف العدوان البربريّ، وحرب الإبادة الجماعيّة ضدّ شعب فلسطين في غزة، وإلى الانسحاب الفوري، خوفاً من تصاعد الخسائر التي أضحت بلا حدود، وهو يجرّ أذيال الهزيمة والعار. وليلاحظ أنّ قيادات الجيش هي التي تضغط نحو وقف الحرب، والقبول بالصفقة مع حماس وأخواتها، إلى حدّ التسوّل والاستجداء!
ولا ننسى أنّ السيد حسن نصر الله، قال: إنّ جبهات الإسناد ستتوقف فور وقف الحرب في غزة، ولكن إذا تمّ العدوان على لبنان بعد غزة، فإنّ مصيراً أسود ينتظر الكيان، وسندخل الحرب دفاعاً عن لبنان وشعبه الأبي. ولنطمئن بالرحيل النهائيّ للكيان من إقليمنا العربي.
*أستاذ العلوم السياسيّة والعلاقات الدولية،
جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية