كلمة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين أسعد حردان في احتفال الفداء والوفاء في ضهور الشوير
الصمود الأسطوريّ لشعبنا، ودور قوى المقاومة الميداني يؤكد حقنا ويصونه ويثبّت قواعد ومعادلات رادعة جديدة
«الحضور الكريم
أيّها الرفقاء
الثامنُ من تموز ليس يوماً عادياً في ذاكرة الزمن، بل هو يومٌ حفرَ فيه التاريخ روحَه ومعناه، بآياتِ الخلودِ والتضحيةِ والفداء.
اغتالوك يا زعيمي جسداً، فسمَت روحكَ بنبضِ الفداء مجداً وعزاً،
وتزيّن التاريخُ بطُهْرِ الدماء معلناً فجرَ الحياةِ بإشراق الشهادة، كاشفاً عتمةَ المؤامراتِ وظلامة الاحتلالاتِ والغزواتِ إرهاباً وعنصريّة.
اغتالوك يا معلمي لأنّهم رأوا في فكرِك وعقيدتِك، أساساً صلباً لقيامةِ أمةٍ موحّدةٍ حرّةٍ سيدةٍ وقوية،
أمة تواجهُ بإرادةِ أبنائِها ومقاوميها مفاعيل التجزئة ومشاريع التصفية التي رسمتها الإرادات الدولية.
اغتالوك لأنك تجاوزتَ عن سبقِ شجاعةٍ، خطوطهم الحمراء، فرسمتَ خطوط المواجهةِ صراعاً بالحديد والنار، مع عدوّ يهودي صهيوني، يجسّدُ باحتلاله وجرائمه، العنصريةَ والإرهابَ، وأطماعَ القوى الخارجيةِ ومخططاتها للهيمنة على أمتنا وثرواتها.
اغتالوك لأنك أسّستَ حزباً مقاوماً، أعدَدْتَه خطةً نظاميةً دقيقةً في مواجهةِ الخطةِ الصهيونية،
ولأنك حاربتَ الطائفيةَ والمذهبيةَ والتفتيت، بوصفها آفاتٍ مُمهّدة لقيامِ كيان الاغتصاب على أرض فلسطين…
وعلى جريمةِ اغتيالِك، تقاطعتِ الصهيونيةُ ورعاتُها مع عملائِها وأدواتِها الصغار المحليين.
اغتالوكَ يا معلّمي، ولم يحسبوا أنّ دمَك سيعمّقُ الصراع بين الحقّ والباطل، بين الكرامةِ والخيانة، وبين العزةِ والذلّ.
استشهادُك يا سعاده، عزّزَنا وحصّنَنا، وأنت القائلُ “إننا نحبّ الموتَ متى كان الموتُ طريقاً للحياة”، وهل من حياةٍ أعزّ وأنبل من أن نبلغَ الشهادة دفاعاً عن حقنا وأرضنا وشعبنا؟
نقاوةُ الدمِ التموزيّ وحرارتُه ضبطت التاريخ على ساعة وقفة العز، تحدياً وعنفوانا.
إنه دمُك يا سعاده رصّعَ تاريخَنا بأحرف من نور ونار،
نورُ البطولة المؤمنة المؤيّدة بصحة العقيدة،
ونارٌ في وجه الكيان الغاصب ورعاتِه.
أيّها الحضور
ونحن نُحيي يوم الفداء والوفاء هذا العام، تواجهُنا تحدياتٌ كبيرة وخطيرة، ليس على مستوى المعركة الحاصلة مع عدوّنا الغاصب وحسب، بل على مستوى كلّ جهات التربّص ويلاً بشعبنا وبلادنا.
فحربُ الإبادة الصهيونية بحقّ أهلنا في فلسطين هي ذاتُها العدوان المتواصلُ على لبنان والشام، وهي ذاتُها تتجسّدُ بمحاولاتِ إضعافنا في دولِنا القومية وعالمِنا العربي من خلال مشاريعَ هدامةٍ بأدواتٍ داخليةٍ تنأى بنفسِها عن المصالحِ الوطنيةِ العليا.
منذ تسعةِ أشهرٍ، والكيانُ الغاصبُ الزائلُ، يدكُّ غزةَ بالقنابلِ والصواريخِ، ويبيدُ الأرواحَ، لا سيّما الأطفال والنساء، وينشرُ الدمارَ، إلاّ أنّ أهلَنا في غزةَ يواجهون الدمارَ والموتَ بروحِ الصمودِ والكرامةِ والإباء، يخوضون معركةً من أجل البقاءِ والحريةِ والانتصار.
والحربُ على غزة، كما العدوان على كلّ مدن وقرى فلسطين المحتلة، وعلى جنوب لبنان وعلى مناطق سوريّة عدة، هي لكسرِ إرادةِ المقاومةِ في أمتنا، وهي حربٌ متواصلةٌ منذ اغتصابِ فلسطين واجتياحِ لبنان مروراً بغزو العراقِ وحربِ تموز وثوراتِ الربيعِ العربيّ المتأسرِل، الى الحربِ الإرهابيةِ الكونيةِ على سورية. وهذا يؤكدُ أنّ هذه الحرب، هي استراتيجية صهيونية – غربية هدفها إبادة شعبنا وتصفية المسألة الفلسطينية وكل قضيتنا القومية. لذلك، فإنّ الصمود الأسطوريّ لشعبنا، والدور الذي تؤدّيه قوى المقاومة في الميدان، هو لتأكيد حقنا وصونه، وتثبيتٌ لقواعد ومعادلات رادعة جديدة.
أيها الحضور
عناصرُ التآمرِ تتفكّك، فالعديدُ من دول الحرب على سورية، تنسحب تباعاً، والقوى الإرهابية التي استخدمت في هذه الحرب، اندثر منها الكثير وما تبقى هو على شفير الاندثار، لكن الحرب لا تزال مستمرة، من خلال الحصار الاقتصادي الجائر، ناهيك عن أنّ قوى الاحتلال تنهبُ خيرات سورية قمحاً ونفطاً وثروات.
ولذلك، نؤكد بأنّ مواجهة الحصار والتجويع، تتطلب تسانداً اقتصادياً على صعيد دول المشرق التي تجمعها دورة حياتية واقتصادية واحدة، وهذا هو جوهرُ مبادرتنا لقيام مجلس تعاون مشرقي.
الحرب على سورية، لأنّ سورية تحمل قضية فلسطين وتشكل حاضنة للمقاومة في أمتنا، ولأنها تمسّكت بالحق والسيادة والكرامة، وقرّرت أن تصمد وأن تواجه، فتحية من حزب سعاده إلى سورية الأبية بجيشها وشعبها وقائدها الشجاع.
كما أنّ صمود شعبنا في غزة وفلسطين وفي جنوب لبنان، وما تسطره مقاومة شعبنا من ملاحم بطولية في الميدان، شكّلا هزيمة مدوية للعدو الغاصب، وهو يقف عاجزاً متهالِكاً ومترنّحاً، في أطول حرب يخوضها.
فتحية إلى أبناء شعبنا في غزة وكل فلسطين وتحية إلى أهلنا في جنوب لبنان، وتحية الى المقاومة في فلسطين وإلى المقاومة في لبنان التي تواجه العدو ببسالة وتفرض المعادلات التي تحمي لبنان وتنصر فلسطين.
ونتوجه بالشكر الكبير إلى الدول التي وقفت إلى جانب حقنا في الدفاع عن أرضنا وشعبنا، ونخصّ روسيا الاتحادية والصين الشعبية والجمهورية الاسلامية الايرانية وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول الحليفة والصديقة.
أيها الحضور
نحن في خضمّ مواجهة مصيرية، يراكمُ فيها العدو جرائمَه الوحشية بحق الأطفال والنساء والشيوخ، وهي جرائمُ موصوفةٌ هزّت ضمائر شعوب العالم لا سيما طلبة الجامعات الذين خرجوا في تظاهرات تضامنية مع فلسطين وحق أهلها في الحياة، وإدانة للحكومات الغربية التي تغطّي على جرائم “إسرائيل” في المحافل والمؤسسات الدولية. وهذا يؤكد أنّ مقاومة الاحتلال والعدوان، هي حقٌ مشروع لشعبنا مهما اشتد التآمر وكبرت التحديات.
أيها الحضور
نحن حزبٌ قاتلَ العدو الغاصب على أرض فلسطين، وواجه احتلاله ومشروعه وأدواته في لبنان، وقاتلَ الإرهاب والتطرف على أرض الشام، مقدّماً الشهداء والتضحيات في سبيل وحدة لبنان وفي سبيل استعادة أرضنا المحتلة.
ولأنّ البوصلة عندنا واضحة، نرى أنّ البعض في لبنان يضيّع البوصلة، ويستنكفُ القراءة في كتاب الكرامة الوطنية، ويحفظ فقط أرقام قرارات دولية مشبوهة لا تصبّ في مصلحة لبنان بل تعرّض وحدته وسلمه الأهلي للخطر. وهذا البعض يقدّم عن قصد أو عن غير قصد خدمة للعدو حين يصوّب على المقاومة وسلاحها، بوصفها واحدة من أهمّ مكامن قوة لبنان.
(مثال على ذلك موضوع مطار بيروت الدولي)
إننا نذكر هؤلاء، بأنّ بالقرار 425 لم ينفذ بإرادة دولية، بل بإرادة المقاومة التي فرضت تنفيذه بقوافل مستمرّة من الشهداء والتضحيات.
أما الذين لا شغل لهم سوى استهداف المقاومة، فهؤلاء يستهدفون التضحيات التي بذلت، والشهداء الذين ارتقوا، والانتصارات التي تحققت، والوحدة التي ترسّخت، وهذا أمر خطير، يصبّ في مصلحة أعداء لبنان.
نحن نؤكد باستمرار على أهمية دور الجيش اللبناني ومهامه الوطنية في تحصين استقرار لبنان والدفاع عنه، كما نؤكد دائماً على ضرورة تأمين كلّ احتياجات مؤسسة الجيش، لا سيما حاجتها للأسلحة المناسِبة لردع العدوانية الصهيونية. ومن هنا نوجه التحية الى الجيش اللبناني، قيادة وأفراد، لأنه يشكل ضمانة وحدة لبنان.
أما في موضوع الاستحقاق الرئاسي فإنّ الذين يتوهّمون الإتيان برئيس للجمهورية بسيف العقوبات الدولية، أو تحت ضغط الترغيب برشاوى الدعم المالي، عليهم أن يعيدوا النظر في خطابهم ومواقفهم، فانتخاب الرئيس يخضعُ لاعتبارات ومصالح لبنانية صرفة، ولمواصفات وطنية أساسها صون الدستور، أي صون وحدة لبنان وسلمه الأهلي وعناصر قوّته المتمثلة بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.
إنّ أداة تعطيل انتخاب الرئيس، هي هذه التركيبة للمجلس النيابي الحالي التي انبثقت عن قانون انتخابيّ خالف الدستور ووضع البلد مجدّداً في مربّع الاصطفافات الطائفية والمذهبية المولدة للأزمات.
ايها الحضور
إنّ لبنان قائم على فكرة الحوار.
نعم، لو لم يكن هناك حوار بين اللبنانيين، لما كان الطائف، ولما توقفت الحرب الأهلية، ولذلك، نقول إنّ رفض الحوار، هو تأييد لاستمرار الفراغ، ودفع باتجاه تحلّل الدولة بكلّ مؤسساتها، وتهيئة لحرب داخليّة يتحمّل رافضو الحوار وزرَها.
الحوار مطلبٌ أساسيّ نشدّد عليه، والقوى السياسية التي ترفضه، عليها الإجابة، عما إذا كانت لا تزال مع الطائف الذي أوقف الحرب وأعاد بناء مؤسسات الدولة ووحّدها وفي طليعتها رئاسة الجمهورية والحكومة ومؤسسة الجيش، أم هي مع أجندة خارجية تعيد لبنان إلى مربّع ما قبل الطائف.
نحن نقول بأنّ ألِف باء تحصين لبنان، قانون انتخابي يقوم على النسبية المكتملة وخارج القيد الطائفي وعلى أساس الدائرة الواحدة أو الدوائر الموسّعة، وما عدا ذلك، إمعانٌ في الفراغ وإيغال في الهدم. انّ الإصلاح السياسي يبدأ بقانون انتخابي يوحّد ولا يقسم، يرسّخ الديمقراطية والمواطنة لا الطائفية والمذهبية.
أمّا الأزمات التي تنشأ وتتربّع على عرش التفاقم، ولا يستطيع أحد إنزالها. بدءاً بتردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع أسعار كلّ السلع والمواد، وأزمات المياه والكهرباء والصحة والاستشفاء والتربية والبيئة والنفايات، وانعدام القدرة الشرائية للمواطنين، وغياب مؤسسة حماية المستهلك عن السمع، كلّ ذلك، لأنّ النظام الطائفي في هذا البلد، يريد فرضَ الخصخصة وتقاسم منافعها محاصصة بين الطوائف والمذاهب. وهذه عقلية لا تبني بلداً ولا مواطنة، بل تقيم فدراليات وتحوّل المواطنين الى رعايا طوائف ومذاهب.
والأمور لا تقف عند هذا الحدّ، لا بل تتملّكنا قناعة، أنّ تفاقم الأزمات والوضعين الاقتصادي والاجتماعي، ترتبط ارتباط وثيقاً بما يخطط للبنان ويهدّد وحدته. فـ اللامركزية التي تُطرح بدون مقدّمات وبلا سقوف، هي تقسيمٌ مقنّع، نرفضه ونواجهه، لأننا حريصون على وحدة لبنان واللبنانيين، وأمناءُ على التضحيات التي قُدّمت في سبيل إسقاط مشروع تقسيم لبنان.
نحن نؤكد دائماً أنّ الدستور يجب أن يطبّق كاملاً، واللامركزية يجب أن تطبّق في هذ السياق ووفق مبتغاها الإنمائي، لكن ليس قبل تطبيق كلّ المندرجات الإصلاحية التي نصّ عليها الطائف، وفي طليعتها قانون انتخابي يحقق صحة التمثيل ويرسّخ عماد الوحدة.
وإننا ننبّه، من أنه إذا تُركت الأمورُ لكي يأخذَ كلّ فريق ما يناسبُه ولا يناسبُ البلد، معنى ذلك أنّ لبنانَ في خطر، والمسؤوليةُ هنا تقعُ على من يريدُ أخذ لبنان نحو الخطر ويهدّد سلمَه الأهلي ووحدتَه الوطنية.
انّ إصرارنا على تطبيق الدستور، إصرار على التمسك بعناصر قوّتنا، ورفض لمقولات الحياد والضعف. فالقوةُ أداة تحرير وانتصار وتقدّم وازدهار، أما الضعف والحياد أداة ذلّ وخنوع.
أيّها الحضور الكريم،
في حَضرةِ شهيدِ الثامنِ منْ تموز، نعتصمُ بالوفاء، إجلالاً للفداء، “نتألمُ لكننا لا نُذلّ ولا نُسحق”.. نُجدّدُ العهد ميثاقاً، بكلّ ما أوتينا من قوة الإيمان وعزم الإرادة، بألا نحيدَ أبداً عن خيارِنا ولا ننحرفَ عن مسارنا، وما من خيار يجسدُ إيمانَنا إلا خيارُ المقاومة، وما من مسار يستهويه نضالنا إلا مسارُ الصراع.
الثامن من تموز ليس مجرد تاريخٍ عابر، بل هو برهان على صمود النهضة وانتصار قيَم الحرية، هو يوم للفداء بشهادةِ الدم الزكية، ويوم للوفاء لشهداء الحزبِ والأمة، الذين أضاؤوا بتضحياتهم الطريق في سبيل الحق والحرية.
اليوم، وبوهجِ التاريخ المرصّع بالشهادة وبأمجاد وقفات العز، مقاومة واستشهاداً، وبالفكر الذي شعّ توقداً، نسترشدُ بعظمة قائدنا الشهيد القدوة، ملهماً للأجيال المتعاقبة بروحه الجبارة وتضحياته العظيمة.
وعلى عهدِ الوفاء لشهيد الثامن من تموز،
كلمتي إلى رفقائي السوريين القوميين الاجتماعيين، أبناء مدرسة سعاده،
نحن حركة صراع، و “الحياة لا تكون بلا صراع”
إيمانكم عظيم لا يتزعزع، وإرادتكم صلبة لا تلين.
“أكتافكم أكتاف جبابرة وسواعدكم سواعد أبطال”.
صونوا حزبكم، فكراً ونهجاً، واحموا عقيدتكم والمبادئ أساس التعاقد مع الشارع صاحب الدعوة.
ولأصحاب المهام منكم، كونوا في أعلى درجات الجهوزية، مستنفَرين ومستعدّين للمواجهة بما يقتضيه الميدان، وللاتصال بعدوّنا، اتصال الحديد بالحديد والنار بالنار لتحرير ما تبقى محتلاً من أرضنا.
هذا دأبنا وهذه طريقنا، وعلى هذه الطريق لَمستمرّون
لتحي سورية وليحي سعاده”.