كربلاء تتجلّى في غزة
منجد شريف
أتت ذكرى العاشر من محرم (عاشوراء)، وهي أكبر عملية استشهاد في التاريخ في كربلاء، لتذكرنا بأن لا مكان للظالم مهما طال به الزمان، استشهد الإمام الحسين ومعه أبناؤه وأبناء إخوته وأصحابه، وكانوا لا يتجاوزون الـ 70 نفراً، أمام جحافل بشرية تخطت العشرين ألف مقاتل، وكلهم يعلمون أنهم على ضلال والحسين على صواب، لكن المال الغرار فتن بهم ففضلوا الدنيا على الآخرة والباطل على الحق…
وها نحن اليوم نشهد بأمّ العين كيف تحوّلت كربلاء إلى مدرسة في التضحية والاستشهاد من أجل الحق ورفع المظلومية، وتجلى ذلك بعد طوفان الأقصى وما أقدم عليه أبطال حماس من اقتحام العدو في حصونه الحصينة وتلقينه درساً لم يستوعبه حتى اليوم، وفتح حربه الشنعاء الهوجاء مدعوماً بكلّ التقنيات والمعلومات الاستخبارية من مختلف الدول الغربية وبعض الدول العربية، لترسيخه قاعدة غربية متقدّمة، لأهداف لم تعد خافية على أحد، ففتحت بوجهه كلّ الجبهات من لبنان والعراق واليمن ليفهم العدو أنّ كربلاء مستمرة في كلّ زمان ومكان، وأنّ الدم العربي على اختلاف دوله وطوائفه ومذاهبه هو دم واحد، فكانت تلك الجبهات خير دليل على إستخلاص العبرة من واقعة كربلاء، وأنّ الظالم مهما ظلم فهناك من سيقف له بالمرصاد، ليس طمعاً بمال الدنيا، بل طمعاً بما يؤجر به في الآخرة، لأنّ الشهيد كما علّمنا القرآن يعيش يوم استشهاده.
فـ حرب غزة اليوم هي التجسيد الحقيقي لكربلاء، فما يواجهه الغزاوي والفلسطيني عموماً في كلّ بقعة من أرضنا في فلسطين المحتلة يجسّد واقعة كربلاء، من خلال قتل الأطفال والنساء والشيوخ من دون أدنى رحمة أو مراعاة لأبسط ما تفرضه الشرائع الدولية وحقوق الإنسان من تجنيب المدنيين والعزل والأطفال والنساء والشيوخ، لقد ذهبت منشورات الشرعة الدولية لحقوق الإنسان أدراج الرياح، ووحدها زنود الأبطال في غزة والضفة الغربية كما في لبنان وسورية واليمن والعراق، كانت الشرعة الحقيقية لحقوق الإنسان للذوْد عن الوطن ومقاومة العدوان، فالحديد لا يفلّه غير الحديد، وكلّ ما عدا ذلك محض دجل ونفاق وهراء، وكما سجل التاريخ للحسين انتصار الدم على السيف، سيسجل التاريخ أيضاً انتصار الدم على فوهات المدافع والطيران، لكن بفارق أنّ الحسين كان وحيداً، وبالرغم من ذلك استطاع دمه أن يحرّر الإنسان في كلّ زمان ومكان، وهذا ثبت اليوم من خلال حرب غزة والتفاف كلّ المؤمنين بالمدرسة الحسينية إلى جانب إخوتهم في غزة، فقلدوا كربلاء بحذافيرها، من خلال مقاومتهم البطلة، وإلحاق الأذى بذلك العدو المتغطرس والمتربّع على عرش الجريمة، تسانده تلك الدول الهجينة، والتي أثبتت أنها تابع لا يملك حتى الرفض لما يناهض قوانينهم في حماية الطفل والنساء والشيوخ، فانقلب السحر على الساحر، وصارت مظلومية غزة قضية كلّ حرّ من أحرار العالم…
وخير دليل على ذلك ما ترجمته الانتخابات في فرنسا كما في غيرها من بلدان أوروبا، فكانت كربلاء حاضرة، إنه انتصار الدم على السيف، فكم موّلت “إسرائيل” من الدعاية للتعمية على حق الشعب الفلسطيني، فذهب كلّ ذلك أدراج الرياح، واكتشف العالم أجمع، أنّ كل ما يقال عن الحقوق والحريات هو نفاق سياسي ليعكس صورة دول منغمسة حتى النخاع في لعبة المصالح والثروات، وما تواجهه غزة ومعها كلّ الجبهات هو الردّ الطبيعي لتلك الأطماع الشريرة في استيلاب أراضي فلسطين وكلّ خيرات الأمة،
لكن عبثاً يفعلون فهناك رجال أعاروا جماجمهم لله ولا تأخذهم في ذلك لومة لائم، وأحرزوا في غزة وفي لبنان والعراق واليمن كلّ الإنتصارات على الرغم من الدعم المطلق للعدو المجرم، إلا أنهم صمدوا وما زالوا وسيستمرون حتى النصر المبين، وهذا وعد إلهي وجميعنا مؤمنون به…