مرويات قومية

مرويات قومية

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء« هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.

إعداد: لبيب ناصيف

وبعد 37 يوماً تمّ إعدام الخائن حسني الزعيم

 

أبناء الحياة انتقموا لك… في دمشق وفي عمّان

فجر الثامن من تموز 1949 ارتفع سعاده شهيداً في أروع نضال ختمه بدمه، وفي أبشع مؤامرة نسجها يهود الخارج والداخل.
وفجر 14 آب 1949 كان حسني الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي يساقان الى حيث تمّ إنزال حكم الإعدام بهما، ليدفعا ثمن جريمتهما بحق زعيم هذه الأمّة.
«فأمسكت حسني الزعيم بيدي اليسرى ومحسن البرازي بيدي اليمنى وسرت بهما الى المكان الذي تقرّر أن يلاقيا فيه حتفهما، هو يقع على مقربة من مقبرة كانت للفرنسيين في مكان منخفض، وقد أدرت وجهيهما صوب الشرق، صوب دمشق، وكان الجنود في موقف التأهّب لإطلاق النار.
أوقفتهما جنباً الى جنب، وتراجعت مفسحاً للجنود مجال التنفيذ، فإذا بمحسن البرازي يصيح: «دخيلكم ارحموني، أطفالي.. أنا بريء».
وما كاد محسن يصل الى هذا الحد من كلامه، حتى انطلق الرصاص يمزق الرجلين ويمزق أزيز سكون الليل».
هذا ما يرويه الرفيق الملازم أول فضل الله أبو منصور في مؤلفه «أعاصير دمشق» عن لحظة تنفيذ حكم الإعدام بمن غدر بسعاده ناكثاً بشرفه وقسمه، وبرئيس وزرائه.
قبل ذلك يروي الرفيق أبو منصور كيف عقد اجتماع في الحادية عشرة ليل 13 آب 1949 لعدد من الضباط في الجيش الشامي تقرّر فيه القيام بالإنقلاب فوراً. «كتبنا المهمات على أوراق صغيرة وتركنا للضباط حرية اختيار العمل الذي يريدون القيام به، ولما طرحت مهمة احتلال قصر الرئاسة واعتقال حسني الزعيم، ساد صمت ثقيل وعلا الاصفرار بعض الوجوه. فمددت يدي الى الورقة وأخذتها قائلاً: «هذه مهمتي والله لو أخذها غيري لما رضيت».
ويشرح الرفيق فضل الله أبو منصور كيف تمّ اعتقال حسني الزعيم، يقول: «ولما تمّت عملية التطويق مشيت الى باب القصر يرافقني أدهم شركسي والرقيب فايز عدوان، وقرعت الباب بقوة… فلم أسمع جواباً… وكررت قرع الباب ثانية وثالثة والليل ساج، والهدوء شامل، والصمت تام… حتى خيّل الى الجنود المتربّصين انهم يسمعون نبض قلوبهم!..
واصلت قرع الباب بشدة، فإذا بالأنوار الكهربائية تشعّ، وإذا بحسني الزعيم يطلّ من الشرفة صائحاً: «ما هذا؟ ما هذا؟ من هنا… ماذا جرى؟»
أجبته بلهجة الأمر الصارم:
ـ استسلم حالاً، فكل شيء قد انتهى، وإلا دمّرت هذا القصر على رأسك!
فانتفض حسني الزعيم، وتراجع مذعوراً!
عاجلته بوابل من رشيشتي، إلا أنه دخل القصر وتوارى فيه.
ولما مزقت طلقات الرصاص سكون الليل، حدثت في الحي رجة رعب.
فتحت نوافذ، وأغلقت أبواب، وسرى في العتمة ما يشبه الهمس والتساؤل، ثم سيطر كابوس الخوف فعاد كلّ شيء الى الصمت الشامل التام.
ورأيت أنّ الانتظار مضيعة للوقت، فأطلقت رصاص رشيشتي على باب القصر حتى حطمته ودخلت…
وإذا بحسني الزعيم ينزل من الدور الثاني وهو يرتدي بنطلونه فوق ثياب النوم – البيجاما – وزوجته وراءه تصيح:
ـ حسني، حسني الى أين يا حسني؟
وقبل أن يتمكن حسني من الردّ على زوجته، دنوت منه واعتقلته ثم صفعته صفعة كان لها في أرجاء القصر دوي..
قال حسني محتجاً:
ـ لا تضربني، يا رجل، هذا لا يجوز، احترم كرامتي العسكرية!
أجبته بقسوة نمّ عنها صوتي المتهدّج:
ـ أنا أول من يحترم الكرامة العسكرية، لأني أشعر بها وأقدّسها وأبذل دمي في سبيلها، أما من كان مثلك فلا كرامة له ولا شرف… أما أقسمت للزعيم سعاده يمين الولاء وقدّمت له مسدسك عربوناً لتلك اليمين ثم خنته وأرسلته الى الموت حانثاً بقسمك، ناكثاً بعهدك؟
قال حسني: والله يا بابا أنا بريء… اتهموني بذلك ولكني بريء.
فانتهرته قائلاً:
ـ هيا بنا، اخرج، لا مجال لكثرة الكلام!
ومشى حسني الى الخارج صاغراً وهو يحاول أن يكبت الخوف الذي أخذ يبدو بوضوح في قسمات وجهه وحركاته المرتبكة.
وكنت في ثياب الميدان، وقد أرخيت لحيتي السوداء الكثة فبدوت أشعث رهيباً.
لم يعرفني حسني في بادئ الأمر، وحسبني شركسياً، فأخذ يخاطبني باللغة التركية، ولكني أمرته بالصمت، ثم أدخلته الى المصفحة التي كانت تنتظر على الباب الخارجي وسرت به صوب المزة…
كان حسني في المصفحة ساهماً تائه النظرات، كأنه لا يصدق ما يرى ويسمع… كأنه يحسب نفسه في منام مخيف… ثم تحرك محاولاً إنقاذ نفسه وتفرّس بوجهي فعرفني، وتظاهر بشيء من الارتياح ثم قال لي:
ـ يا فضل الله، أنا بين يديك، معي ثمانون ألف ليرة، خذ منها ستين ألفاً ووزع عشرين ألفاً على جنودك وأطلق سراحي، دعني أهرب الى خارج البلاد.
أجبته سائلاً:
ـ من أين لك هذه الثروة؟ ألست أنت القائل أنك دخلت الحكم فقيراً وستخرج منه فقيراً؟ كيف انقلب فقرك ثراء؟
فأخذ يتمتم:
ـ والله يا بابا أنا بريء … هذه مؤامرة عليّ دبّرها الانكليز لتقويض استقلال البلاد.
في الصفحة 84 يورد الرفيق متّى أسعد في مؤلفه «الماضي المجهول وأيام لا تنسى» المقطع التالي: «علمنا في ما بعد أن الضباط القوميين أديب الشيشكلي وفضل الله أبو منصور وعصام مريود قاموا باعتقال حسني الزعيم ومحسن البرازي واقتادوهما الى المزة، هناك بدأ حسني الزعيم يحاول رشوتهم بالمال… فضحك الشيشكلي وقال له: «لا ..لا، كلّ هذا لا ينفعك»، فبدأ محسن البرازي يرتجف، فقال له حسني الزعيم بالفرنسية: «لا تخف»… وقال لفضل الله أبو منصور: «أريد أن أشرب» وكان بين العسكريين الحرس جندي معه مطرة مياه فقال له فضل الله أبو منصور: «أعطه إياها»، وراح حسني يشرب ويداه ترتجفان والمياه تشرشر على وجهه وثيابه، فتقدّم منه فضل الله أبو منصور وصفعه بالكف على وجهه، وقال له: «الزعيم سعاده لم يرتجف على خشبة الإعدام يا كلب»، هنا عرف حسني الزعيم لماذا سيُعدم وقال لمحسن البرازي: «رحنا». وسحب الضباط القوميون مسدساتهم وأعدموا حسني الزعيم ومحسن البرازي. وجرى دفنهما في قرية أم الشراطيط.
أخذ أديب الشيشكلي وفضل الله أبو منصور وعصام مريود جاكيت حسني الزعيم الملطخة بالدماء وسلّموها الى الأمينة الأولى، وقالوا لها: «هذا هو انتقامنا للزعيم سعاده».

 

 

الرفيق نجيب حجار… رمز حزبي مضيء في نيوجرسي

 

منذ أن توليتُ مسؤولية رئيس مكتب عبر الحدود في أوائل سبعينات القرن الماضي والرفيق نجيب حجار يرافقني مسؤولاً في «نيوجرسي» ورفيقاً متفانياً يفقه الحزب جيداً، ويجسّد فضائل الانتماء.
حضر ذات مرة الى لبنان، فكان لي معه أكثر من لقاء، ثم رحتُ أطمئن عنه عبر أحد الرفقاء الأوائل في نيوجرسي، نسيبه الرفيق سالم حجار، وأسأل الأمين د. جورج يونان وقد استقرّ في ولاية نيوجرسي، والأمين كميل صليبا كلما توجه الى الولايات المتحدة لزيارة عمّه المطران فيليب صليبا. وأيضاً عبر نسيبه الرفيق سيمون حجار في دكار ـ السنغال.
الرفيق نجيب حجار كان على مدى كلّ تلك السنوات ركناً حزبياً في نيوجرسي وله حضوره المستمر على صعيد الرفقاء، كما أبناء الجالية، وكان بيته بيتاً للعمل الحزبي.
كان الرفيق نجيب قد انتمى في القرعون في أوائل ثلاثينات القرن الماضي. يفيد الرفيق علي مريدن في تقرير له «انّ أول قومي اجتماعي انتمى من ابناء بلدة القرعون هو الأمين عساف أبو مراد(1)، وفي عام 1936 نشأت أول وحدة حزبية تولاها الرفيق حليم مسلم(2) الذي تولى لاحقاً مسؤولية منفذ عام البقاع الغربي.
تباعاً انتمى الرفقاء: يوسف العقدي، انطون شكري الفرزلي، حبيب حجار(3)، نجيب حجار، انور عرابي، وليم حجار، محمد ديب، خليل عميص وسميح حجار.
بتاريخ 26 آب 1953 وجّه الأمين كامل حسان(4)، عن رئيس مكتب عبر الحدود، الصادرة رقم 15/10/21 الى الرفيق نجيب حجار، وهذا نصها:
«حضرة الرفيق المحترم
تحية سورية قومية اجتماعية. أحال إلينا الأمين الجزيل الاحترام فؤاد أبو عجرم(5) رسالتكم إليه والتي تقترحون فيها أن يصلكم بمكتب عبر الحدود.
«إنّ هذه الرسالة الأولى إليكم يُقصد منها وصْلكم بهذا المكتب ليرى إمكانيات التعاون معكم ومساعدتكم في أحسن الوسائل لنشر الفكرة القومية الاجتماعية بين أبناء النزالة السورية حولكم. فنحن مرسلون لكم في البريد العادي (في البحر) على عنوانكم، نسختين من «شرح المبادئ» ونسخة من «دستور الحزب» ونسخة من «شرح المبادئ» باللغة الإنكليزية. وإننا منتظرون منكم رسالة توضحون فيها مدى احتكاكم بالنزالة السورية في محلّ إقامتكم الحالية ومدى تحسسها بشؤون الوطن وعن حالة السوريين الاجتماعية والى أيّ حدّ يمكنكم الاتصال بهم، وما هو نوع العمل الذي تقومون به، وعن وضعكم الاجتماعي. ثم إننا مرسلون لكم بالبريد العادي جريدة «البناء» على أن تدفعوا اشتراكها السنوي 15 دولاراً شيكاً ترسلونه على العنوان الذي تجدونه في ذيل هذه الرسالة.
«لا نعلم ما ينقصكم من كتب الزعيم، ونعلمكم بأنّ المركز طبع الكثير منها فأصبح لنا مجموعة تساعد في تفهّم الحركة وتاريخها والعمل لها. وثمن هذه المجموعة 10 دولارات أميركانية، فأرسلوا المبلغ في أقرب وقت لنرسل لكم جميع هذه المطبوعات، ومن الجريدة تعرفون سير الأمور في الوطن.
ان ما يترتب على القومي الاجتماعي في المغترب الأميركاني هو نشر مبادئ الحزب وإيقاظ السوريين الى واجبهم نحو أمتهم فلا يقعون فريسة الدعاوة اليهودية القتالة. المهمة التي يحملها القومي الاجتماعي واحدة في الوطن وعبر الحدود. وهي إشاعة الوعي القومي بين السوريين وجعلهم يشعرون بواجبهم نحو أمتهم وإفهامهم حقيقتهم».
وبتاريخ 25/8/2005 أصدر حضرة رئيس الحزب الأمين علي قانصو المرسوم رقم 54/73 بمنح الرفيق نجيب حجار وسام الواجب.
المعلومات أدناه كانت وردتنا من الرفيق ابرهيم سلوم، (نيوجرسي):
ـ ولد الرفيق نجيب حجار في القرعون عام 1912(6)،
ـ انتقل الى بيروت للعمل، فانضمّ الى مديرية «التضامن»(7) وفيها نشط وكان يكلّف بتوزيع المناشير والبيانات ونقل الرسائل الحزبية.
ـ غادر الى أفريقيا (نرجّح أن يكون توجه الى دكار) في الخمسينات، لعدة أسابيع ومنها انتقل الى الولايات المتحدة فعيّن من قبل المركز مفوضاً في منطقة «نيوجرسي».
وفاته
غيّب الموت الرفيق نجيب حجار في 9/4/2007(8) فأقيم له مأتم حافل في نيوجرسي حضره الرفقاء المتواجدون في ولايتيّ نيوجرسي و نيويورك، الى عدد جيد من أبناء الجالية.

هوامش
1 ـ عساف ابو مراد: مؤسس العمل القومي الاجتماعي في كلّ من البقاع الغربي، والمكسيك. للإطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info .
2 ـ حليم مسلم: غادر الى نيوجرسي. متأهّل من شقيقة الأمين عساف ابو مراد (عُرفت بأمّ مخول)،
3 ـ حبيب حجار: غادر الى أوتاوا. وفيها تولى مسؤوليات حزبية عديدة ونشط جيداً. منح رتبة الأمانة وما زال عند نشاطه الحزبي.
4 ـ كامل حسان: من بشامون. تولى في الحزب مسؤوليات عديدة منها عمدة الداخلية ورئاسة مجلس العمد وكان عضواً في المجلس الأعلى أكثر من مرة. للإطلاع على النبذة المعممة عنه مراجعة الموقع المشار إليه آنفاً،
5 ـ فؤاد أبو عجرم: من بعقلين. منح رتبة الأمانة. انتخب عضواً فرئيساً للمجلس الأعلى. كان يملك في وسط بيروت صيدلية عُرفت بصيدلية أبو عجرم. انتخب أكثر من مرة نقيباً للصيادلة. للإطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى الموقع المذكور آنفاً.
6 ـ يفيد الرفيق سيمون حجار أنّ الرفيق نجيب حجار من مواليد 1907.
7 ـ مديرية «التضامن»: كانت تضمّ الرفقاء في منطقة «الجميزة». للإطلاع على النبذة المعممة عنها الدخول إلى الموقع المذكور أنفاً.
8 ـ أما الرفيق سيمون حجار فـ يفيد انّ الوفاة وقعت في 22/4/2007.

 

 

الرفيق عفيف خوري (*)

جسّد سعاده في كلّ تصرفاته

أول ما سمعت عنه كان في ستينات القرن الماضي. كان يُحكى عن المدرّس – الناظر)1) – الرفيق المثالي سلوكيةً وتعاطياً.
مضت سنوات، والرفيق عفيف خوري حيّ في ذاكرتي دون أن أعرفه شخصياً.
وانتمى ابنه «نداء» الى الحزب في أواخر السبعينات في وقت واحد مع مجموعة من رفقاء ورفيقات، أذكر منهم مخايل سماحة، تموز قنيزح، رستم مجاعص، استير خنيصر، لينا خنيصر، سمير عطالله (الامين حالياً)، نجيب قربان، دافيد ديب، وآمل ألا أكون نسيت أحداً منهم.
ورأيت الرفيق عفيف في ابنه «نداء»، سلوكية ومناقب.
ومضت سنوات أخرى.
عندما رحتُ أتردّد الى ضهور الشوير، حيث كان يصطاف الأمين نواف حردان بعد عودته من المهجر البرازيلي، علمت أنّ الرفيق عفيف مقيم فيها، وسمعت عنه من الأهالي الكثير مما يُفرح.
قيل لي إنه يقطع المسافات البعيدة سيراً على الأقدام منذ ساعات الفجر الأولى، يصعد الدرجات المئة، وأكثر، من منزله المطلّ على الشوير وعين السنديانة والخنشارة وصنين، الى الطريق في ضهور الشوير، كلما رغب التوجه الى الساحة أو الى أيّ مكان في الضهور.
وزرته ذات يوم، وجدت أنّ ما كانوا يقولون عنه، هو أقلّ، إذ نادراً ما تجد إنساناً في صفائه، وأخلاقه وترفّعه وسمّوه ومناقبه.
من كلّ مسامه، تطفح المحبة والابتسامة والبشاشة، ومعها حزم وحسّ نظامي وثقافة عقائدية، وإنسان قرأ سعاده جيداً، وجيداً راح يجسّده في كلّ شيء.
منذ ذلك الحين أتردّد الى الرفيق عفيف كلما مكنتني ظروفي، سارقاً من وقت انصرافي شبه الكامل لموضوع تاريخ الحزب.
مع كلّ زيارة يكبر الرفيق عفيف. يتعملق. ويبدو لي مارداً بكلّ سموّه المناقبي.
كلّ كلمة لديه تنبع من سعاده. كل تصرّف، فيه من عطر النهضة. كل ملاحظة أو التفاتة أو رأي، لا تخرج إلا من صدر مليء بسعاده وبمفاهيم الحزب.
علمت من العميد الأمين جورج ضاهر انه يزوره من حين الى آخر مع رفقاء من كفرحزير، ليس فقط لواجب الاطمئنان، انما أيضاً لتسجيل ما يعرف، وهو كثير، عن تاريخ الحزب في كفرحزير، وهو كان خسر شقيقه المحامي فائز شهيداً، وأشقاءه الآخرين، واحداً بعد الآخر، وكلهم رفقاء.
ودائماً كان الأمين جورج يشاطرني إعجابي وحبي وتقديري للرفيق عفيف.
اخبرني الامين جورج انّ الرفيق عفيف شهق بالبكاء في لقائه معه بتاريخ 11/05/2014 عندما كان يروي له عن شعوره عندما رأى سعاده، في المرة الأولى، عند زيارته كفرحزير. يقول انّ سيارة الزعيم، وكانت مكشوفة، توقفت، قرب مقهى لسليم معوض (مقابل معصرة الزيتون لصاحبها رجا زخريا)، نزل سعاده من السيارة فأخذ له القوميون الاجتماعيون التحية الحزبية وكانوا اصطفّوا الى جانبيّ الطريق امام المقهى، انتقل سعاده الى الطابق العلوي من البناء المؤلف من طابقين «عقد».
بعد الاستقبال ألقى الزعيم كلمة جميلة مقتضبة انما لا يتذكر الرفيق عفيف مضمونها. كان من بين الرفقاء والمواطنين المستقبلين وقد وضعوا شارة الزوبعة على سواعدهم، منهم، على ما يذكر: اسكندر معوض، يعقوب ساسين، عزيز عودة. استمرت الزيارة ما يزيد على النصف ساعة. يضيف انه، قبيل مغادرة الزعيم للقرية، وقع دولاب السيارة التي أقلّـته، في عبّارة مفتوحة بالقرب من ساحة البلدة، فقام أهل القرية والقوميون المحتشدون بحمل السيارة واخراجها من العبارة.
اليوم وقد قارب الرفيق عفيف التسعين من عمر مليء بالنضال والتفاني، الحزبي والتربوي، اقول له:
كنتَ قومياً رائعاً يا رفيق عفيف، واستمريتَ، أكثر.
لك يحلو أن أقف واؤدي التحية وأغمرك بكلّ الحب الذي اشعر به نحوك.
ولك تحلو الأوسمة وحفلات التكريم. جميل أن يعترف لك أهلك في كفرحزير، وفي ضهور الشوير ورفقاؤك ألكثر في كل منهما، بما كنتَ فيه من سمو.
جميل أن يشعر الآلاف ممن تتلمذوا على يديك، بالوفاء لك، وقد عرفوك مربياً وناظراً وانساناً لم يكن يبغي سوى أن يرتفع تلاميذه نحو الأكمل والأفضل، فكان حازماً بعدل، صارماً بمحبة، ورفيقاً لكلّ منهم رغم فارق السن.
هي دعوة صادقة لكلّ من عرف الرفيق الرائع عفيف خوري. صحيح أن تاريخه الحزبي الناصع، وتاريخه المثالي في المدارس التي عمل فيها، بدءاً من مدرسة النظام الجديد في بلدة السودا (طرطوس) وصولاً الى مدرسة الشويفات، وساماً كبيراً يبقى في ذاكرة كل من عرفه، انما التكريم واجب تجاه من كان وفياً لمعتقده، باراً بالقسم، وشاهقاً في كل تصرفاته.

(*) عمّمت هذه النبذة سابقا بتاريخ 11/11/2015
1 ـ الى توليه مسؤوليات محلية، فإنّ الرفيق عفيف عُيّن وكيلاً لعميد الاقتصاد (الأمين عبد القادر تحوف) في فترة رئاسة الأمين د. عبدالله سعاده عام 1960، وبقي في المسؤولية حتى قبيل الثورة الانقلابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى