مقالات وآراء

لماذا نهتمّ هذه المرة بالانتخابات الأميركية؟

 محمود الهاشمي

حتى وقت قريب، يكاد يجمع الكتاب والمفكرون على انّ نتائج الانتخابات الأميركية لا تغيّر في الأمر شيئاً، فالرؤساء الأميركان مجرد موظفين لدى أصحاب الشركات الكبرى الذين يرون في المسؤولين أداة لإثراء أموالهم، ثم انّ هولاء الرؤساء هم أبناء الأسر الغنية في الأصل.
استطاعت الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية التي امتدت على مدى خمس سنوات 1860-1865 أن تجد طرقاً عديدة لاقتصاد متطور ومؤسسات علمية
متقدمة، والاستفادة من أرض بمساحة الصين 9 مليون كم2 فيما يسكنها من هم بعدد سكان مقاطعة في الصين، وفيها من الثروات البكر والمناجم، ناهيك عن موقع جغرافي يبعدها عن أيّ خطر داهم، كما خدمها التنوّع البشري وورودهم من شتى بقاع الأرض.
يتداول الحزبان الرئيسان الجمهوري والديمقراطي إدارة الولايات المتحدة منذ التأسيس، ولا تجد فرقاً كبيراً بين أحدهما على الآخر إلا في حدود قليلة، لكن ومع تعاقب الأعوام انقسم جمهور الحزبين اجتماعياً، فبات أنصار الحزب الديمقراطي هم من الملوّنين الذين يقطنون الجزء الجنوبي من البلاد فيما أنصار الحزب الجمهوري من الجنس الأبيض الذين يقطنون الجزء الشمالي.
هذا التقسيم الاجتماعي بات يشكل خطراً على مستقبل أميركا، والسبب لأنّ الحرب الأهلية التي تسبّبت بمقتل 750 ألف مواطن أميركي كانت بسبب حرب أهل الجنوب مع أهل الشمال.
ترامب غير بايدن، لأنّ بايدن يعمل وفق المنهج التقليدي الأميركي في نشر القواعد الأميركية على أكبر مساحة من الأرض للهيمنة على الشعوب وسلب ثرواتها، فيما يرى ترامب أميركا أولاً.
لذا عاجَل في إدارته السابقة إلى مطالبة أعضاء حلف الناتو بدفع المزيد من المال مقابل حماية دول الحلف من ايّ اعتداء، أما قبل يومين فقد صرّح لإحدى الوكالات الأميركية بأنّ أميركا شركة أمنية تقدم خدماتها لمن يدفع.
على مستوى الداخل فإنّ ترامب يؤكد على إعادة إنتاج أميركا، ويقصد بذلك أميركا البيضاء، وبذا سيعلن العداء والكراهية للملوّنين أنصار الحزب الديمقراطي، وقد سعى في فترة إدارته الأولى إلى بناء سياج طويل
على حدود المكسيك باعتبار انّ المكسيك واحدة من الدول الجارة لأميركا، ويتدفق عبر الحدود الآلاف من المكسيكيين الملوّنين الى داخل الأراضي الأميركية، فيما يرى بايدن انّ هؤلاء المهاجرين هم أنصاره!
بعد أسبوع فقط من تسلّمه السلطة، أصدر ترامب أمراً رئاسياً منع بموجبه مواطني ست دول عربية وإسلامية من دخول الولايات المتحدة من بينها سورية. كما أوقف ترامب دخول اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة.
بشأن منطقة الشرق الأوسط، فإنّ ترامب في فترة إدارته الأولى قال «لم يعد الشرق الأوسط من أولوياتنا»، وراح يدير ملف الشرق الأوسط بنوع من الفوضى والمزاجية حيث نقل السفارة الأميركية الى القدس، وزار السعودية وعقد صفقة أسلحة بنحو 400 مليار دولار وتمّ سحب العديد من القواعد العسكرية من المنطقة،
وأخطر إجراء كان الخروج من الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية واسعة على إيران في إطار ما يُعرف بسياسية «الضغط الأقصى».
وفي الأسبوع الأول من عام 2020 اغتالت الولايات المتحدة في غارة جوية على أسوار مطار العاصمة العراقية بغداد، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الحاج الشهيد قاسم سليماني، ومعه نائب رئيس الحشد الشعبي في العراق الحاج الشهيد أبو مهدي المهندس وعدداً من رفاقهما.
كما تمّ الإعلان عن «صفقة القرن» لحلّ الصراع الفلسطيني ـ الصهيوني لكن دون ايّ إجراء، وكلّ الذي حدث انّ دولاً عربية ذهبت الى التطبيع دون أيّ مقابل.
وإذا كان بايدن يواصل دعمه لـ «إسرائيل» لقتل أهالي غزة، فإنّ ترامب الى الآن غير واضح في ملف الشرق الأوسط، وانْ كان حذر الإسرائيليين من أنهم يفقدون الدعم الدولي للحرب في غزة، وجدّد دعوته إلى إنهائها.
منطقة الشرق الأوسط الآن غيرها عن إدارة ترامب الأولى، فـ أفغانستان مستقرة وعلاقاتها مع دول الجوار جيدة، و»إسرائيل» في ضعف تحاصرها صواريخ المقاومة من جميع الجهات وأنصار الله يخنقون الطرقات البحرية على «إسرائيل»، وهناك دعم عالمي للقضية الفلسطينية، فيما تماسكت إيران في مواجهة العقوبات وباتت أسواقها ملأى بالصناعة المحلية وانفتحت على الشرق، وراحت تدعم محاور المقاومة بشكل واضح، وأمطرت الكيان الغاصب بالمئات من الصواريخ والمُسيّرات في عملية «الوعد الصادق».
وفقاً للمعطيات ولتوجهات ترامب فإنه لا يريد أن يدخل منطقة ما عادت صالحة لمشاريع أميركا.
نعتقد أنّ توجهات أميركا المستقبلية ستكون باتجاه الصين أكثر من أيّ منطقة أخرى، ولا نراها ستنشغل بمنطقة الشرق الأوسط في الناحية الأمنية.
أما إذا فاز بايدن او بديله فإنّ ترامب حتماً سيرفض نتائج الانتخابات، ويدفع بأنصاره للمنازلة مع مؤسسات الدولة وبذلك سيتحوّل الأمر الى خلاف داخلي يعيد الولايات المتحدة إلى الحرب الأهلية.
نعتقد أنّ ترامب إذا تولى إدارة الولايات المتحدة سوف ينشغل بالداخل الأميركي كثيراً، وواحد من الأسباب هو مشروع2025 الذي صنعته أفكار عدد من الجمهوريين السابقين ومراكز البحث والدراسات التابعة لهم والذي مفاده هيمنة السلطة التنفيذية على مؤسسات الحكم الأميركية، والترويج لفكرة أنّ الرئيس الأميركي يجب أن تكون له السيطرة المطلقة على السلطة التنفيذية، مع توسيع صلاحياته الرئاسية، وإلى تقليص حجم الحكومة الفيدرالية من خلال إلغاء بعض الوكالات والوزارات، مثل وزارة التعليم، ووضع وكالات أميركية مستقلة أخرى مثل لجنة التجارة الفيدرالية، ولجنة الاتصالات الفيدرالية، ووزارة العدل، تحت سيطرة الرئيس المباشرة. ويدعو إلى إلغاء الحماية لآلاف الموظفين الذين يمكن استبدالهم بواسطة سياسيين. ولا شكّ فإنّ هذا المشروع سيشغل أميركا في الداخل لأنه سيصطدم بآليات قانونية ورفض شعبي كبير، وعدم رضا من قبل أنصار الحزب الديمقراطي، وهذا المشروع يحتاج الى سنوات حتى يتمّ قبوله او رفضه، وبذلك فإنّ الحروب الخارجية وإنفاق الأموال الضخمة عليها سيشتت التركيز على المشروع وحيثياته.
في كلّ الأحوال علينا ان نكون على استعداد لكلّ السيناريوات في المنطقة، سواء كان الرئيس بايدن أو ترامب، فلكلّ طريقة نتعامل معها ضماناً لمستقبل بلداننا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى