اليمن يربح بالنقاط ضربة قاضية
ناصر قنديل
قام اليمن بعملية نوعيّة قلبت كثيراً من معايير الحرب الدائرة، رغم كونها عملية واحدة بطائرة مسيّرة لم تسفر سوى عن قتيل واحد وعدد من الجرحى، وإحداث حريق، لكن هذه العملية أكبر وأضخم وأهم من هذه النتائج بكثير، لأن المنطقة المستهدفة هي عاصمة الكيان السياسية والاقتصادية، رغم الحديث عن القدس كعاصمة، تل أبيب هي قلب الكيان وقلبه وروحه، وتجمّع شركاته ومؤسساته السياحية، ومقرّ إقامة المصارف والشركات العالمية والاستثمارات الأجنبية وشركات البورصة، والنجاح باستهدافها يقول إن لا مكان خارج الاستهداف في الكيان، ولا مكان حصين وعصيّ على المقاومة، وإن التجمعات السكانية الكبرى التي تحتشد في تل أبيب لم يعد بمستطاعها الوثوق بأنها تحت حماية نظام أمني يتباهى بأنه خيرة ما أنتج الغرب وأفضل ما تملك جيوشه.
حتى أمس كان كيان الاحتلال يبيع منظومات صواريخه المضادة للطائرات والصواريخ، مقلاع داود وحيتس والسهم والقبة الحديدية بصفتها الأفضل عالمياً، وكانت أحد أهم موارده الاقتصادية. وها هي هذه المنظومة قيد الاختبار العملي في درّة التاج الإسرائيلي، تل أبيب، حيث حشدت كل وسائل المراقبة والمتابعة والرادارات والصواريخ، وتنجح الطائرة اليمنيّة باختراق هذه المنظومات المكثفة والمركبة والمعقدة، على أكثر من دائرة حماية، كما هو الحال في كل عواصم الدول، التي توضع لها دوائر حماية مضاعفة، قياساً بالمدن الأخرى، وسائر المناطق.
الطائرة اليمنيّة الآتية من مسافة أكثر من ألفي كلم، والتي قطعت هذه المسافة بساعات، كانت خلالها تحت مجسّات المتابعة المفترضة الأميركية والإسرائيلية وسواها من مجسّات كانت شريكة في المواجهة يوم 14 نيسان الماضي خلال الردّ الإيراني الرادع. ونجاح اليمن ببلوغ الهدف المقرر، يعني فشلاً ذريعاً لكل هذه المنظومات المفترضة، وفي طليعتها المنظومات الأميركية التي تباهت ببيان قالت إنها أسقطت أربع طائرات يمنية، لكنها لم تقل إن الطائرة المقرّر أن تصل إلى الهدف قد وصلت ولم تستطع أميركا منعها، فماذا لو أرسل اليمن سرباً من عشرات الطائرات؟
بينما يتحدث بنيامين نتنياهو عن النصر المطلق في غزة، بعدما ابتلع لسانه الذي كان يتحدّث عن القدرة على خوض حرب على عدة جبهات، متهرّباً من مخاطر المواجهة مع جبهة لبنان التي تصبّ حممها على مستوطنات شمال فلسطين المحتلة، وتصيب المنشآت العسكرية وتتسبّب بتهجير المزيد من المستوطنين، تأتي الطائرة اليمنيّة لتقول للكيان بالفم الملآن، إنه فعلاً أوهن من بيت العنكبوت.
الرسالة التي حملتها طائرة اليمن الميمون هي أن حديث نتنياهو عن المرحلة الثالثة المفترضة سوف يحمل المزيد من التهدئة في جبهات القتال، وخصوصاً جبهات الإسناد، يكمل ما قاله السيد حسن نصرالله، لجهة إسقاط كذبة نتنياهو، والقول إن المقاومة غير معنية بأسماء وأرقام ومراحل يطلقها الاحتلال على حربه، وإن المقاومة معنية بشيء واحد هو المزيد من الضغط على الكيان حتى يقبل بشروط المقاومة في غزة، بالتوصل الى اتفاق ينهي الحرب بشروط المقاومة.
على ضفة موازية قالت طائرة اليمن إن كل الترسانات العربية العسكرية للدول المتفرّجة على مأساة غزة، بلا قيمة وهي مجرد خردة تم شراؤها بأسعار باهظة لتشغيل معامل الغرب ليس إلا، وليست سلاحاً تم شراؤه لحماية قضية أو لرفع ظلم أو تحرير أرض، وأن الفاعلية العربية لا يقرّرها حجم الدول ولا عدد سكانها ولا حجم ثرواتها ولا مكانتها الاقتصادية ولا كمية السلاح في مخازن جيوشها، بل عقول قادتها وقلوبهم وضمائرهم وإرادتهم، ولهذا يبدو أن الفاعلين العرب اليوم هم العرب الأشدّ فقراً، والأقل حجماً، والمجموعة شعوبهم والمحاصرة والمدمّرة بلادهم، واليمن بينهم في الطليعة، بمثل ما هو في طليعة المعاناة هو في طليعة الشهامة والنخوة.