دارَ الزمن وتغيّر… واتّجه كيان العدو إلى الزوال
أحمد بهجة
دارَ الزمن دورته وتغيّر كلّ شيء، وبدأ كيان العدو الصهيوني بالأفول والتدرّج نحو النهايات التي تأتي بطيئة أحياناً، لكن يخلق الله الكثير من العوامل التي تؤدّي إلى تسريع هذه النهايات، وهذا ما حققه «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول 2023 وما تلاه من مواجهات بطولية خاضها عمالقة غزة وجنوب لبنان ومعهم مَن هم مثلهم في سورية والعراق واليمن وصولاً إلى إيران.
حين تأسّس الكيان قبل 76 عاماً صعَد نجمه بسرعة كبيرة ولقيَ دعماً غير مسبوق من الدول التي كانت عظمى آنذاك، وتحديداً بريطانيا وفرنسا، اللتين أخذتا بيده بعد ثماني سنوات فقط لشنّ عدوان ثلاثي عام 1956 ضدّ مصر وثورتها الوليدة عام 1952، والتي تولى قيادتها الفعلية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1954، وبدأ على الفور بخطوات وطنية استقلالية أبرزها تحرير قناة السويس من أيدي قوى الاستعمار، كما أعلن بصريح العبارة العداء المطلق لكيان العدو «الإسرائيلي»، والعمل بدأب مع المخلصين في العالم العربي لاستعادة فلسطين.
بعد تلك الحرب تولّت الولايات المتحدة مهمة دعم الكيان ورعايته بدلاً من بريطانيا وفرنسا اللتين تراجعتا إلى الصفوف الخلفية بين القوى العالمية، فيما كان الاتحاد السوفياتي هو القوة العظمى الموازية للقوة الأميركية آنذاك.
استمرّ الوضع بين كرّ وفرّ حتى العام 1967 حين شنّ العدو الصهيوني حربه المعروفة ضدّ دول الطوق العربية، وهي الحرب الوحيدة التي يمكن القول إنّ العدو حقق فيها نصراً وتمكّن من توسيع رقعة احتلاله إلى أجزاء واسعة من الأراضي العربية.
لم يطل الوقت كثيراً حتى جاء العام 1973 حين حقق العرب انتصاراً واضحاً في حرب أكتوبر واستعاد الجيشان السوري والمصري أجزاء مهمة من الجولان وسيناء، لكن قرار الرئيس المصري أنور السادات بوقف الحرب على الجبهة المصرية حال دون اكتمال الانتصار واستعادة كلّ الأرض، وذلك لأسباب معروفة تكشفت بوضوح في ما بعد حين قام بزيارته المشؤومة إلى كيان العدو عام 1977.
بعد ذلك جاء الاجتياح الأول للبنان عام 1978 بعنوان «عملية الليطاني» لإبعاد المقاومة الفلسطينية يومها إلى شمال الليطاني، وهو المطلب المستمرّ حتى اليوم والذي يعجز العدو عن تحقيقه في مواجهة المقاومة اللبنانية. ثم جاء الاجتياح الثاني للبنان عام 1982 ووصل جيش الاحتلال إلى العاصمة بيروت، لكن الأمر لم يستمرّ سوى أيام قليلة لأنّ المقاومة كانت له بالمرصاد وأجبرته على الرحيل مهزوماً بعد سلسلة عمليات بطولية أبرزها العمليتان النوعيتان في «مقهى الويمبي» وقرب صيدلية بسترس، الأمر الذي جعل جيش العدو يجول في مدرّعاته مناشداً عبر مكبّرات الصوت «يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار علينا إننا منسحبون».
وكرّت السبحة واندحر جيش العدو تباعاً من الجبل وشرق صيدا وجزين ومناطق جنوبية عدة باستثناء ما سُمّي يومها بـ «الشريط الحدودي» الذي تحرّر في 25 أيار 2000 بسواعد المقاومين الأبطال وتضحياتهم الكبيرة جداً طيلة سنوات الاحتلال الذي خرج ذليلاً دون قيد أو شرط.
وأتت حرب تموز ـ آب 2006 لتؤكد المؤكد وتثبت أنّ في لبنان قوة لا تُقهر وتستطيع صدّ العدوان والدفاع عن الأرض والشعب فيما الدعاية الزائفة عن جيش العدو بأنه لا يُقهر تبخرت على أبواب عيتا الشعب ومارون الراس وعديسة وبنت جبيل ووادي الحجير وغيرها من المدن والقرى والبلدات على امتداد أرضنا في الجنوب الغالي، والتي تُكرّر اليوم ملحمة الصمود والتصدي لهذا العدو المتغطرس الذي لن يتمكن من تحقيق أيّ هدف على الإطلاق لا في جنوب لبنان ولا في غزة وفلسطين أو في أيّ موقع أو جبهة من جبهات الإسناد.
وها هم عمالقة اليمن يصِلون بمُسيّرتهم «يافا» إلى مدينة يافا المحتلة التي أطلقوا عليها زوراً اسم «تل أبيب»، لكن أحرار اليمن بدأوا بتحرير أسماء مدن فلسطين التاريخية تمهيداً لتحريرها بالكامل في وقت ليس بعيداً.
أما الردّ الصهيوني على مدينة الحديدة اليمنية واستهداف خزانات الوقود ومحطات الكهرباء فهو لا قيمة عسكرية له، بل يُشبه ما ينفذه جيش العدو من عمليات في غزة خاصة وفي فلسطين عامة إذ يستهدف المدنيين ويرتكب المجازر والفظاعات بحق الأطفال والنساء والشيوخ والمواطنين العُزل والمؤسسات المدنية من مستشفيات ومدارس ومراكز إيواء وغيرها فيما يعجز منذ نحو عشرة أشهر عن تحقيق أيّ هدف عسكري ضدّ المقاومة.
على أيّ حال لن يتأخر الردّ اليمني الموجع، وعلى كيان الاحتلال أن يبقى واقفاً على «رجل ونصف» يترقّب الردود من كلّ جبهات الإسناد، وهي في أعلى درجات الجهوزية والتنسيق والوحدة في ما بينها، بينما نرى التقهقر في كيان العدو على كلّ المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، إلى درجة جعلت إعلام العدو يتحدث بيأس عن المرحلة المقبلة بالقول: «لم تعد السماء صافية بعد الآن»…