أولى

العدل كان نائماً…

مأمون ملاعب

أهمّ ما يميّز قرار محكمة العدل الدولية هو الجرأة، ومع أنّ القرار هو قانونيّ محض ويعترف بـ (دولة إسرائيل) ضمناً على الأراضي التي اغتصبتها قبل العام 1967، ويدين بشكل خاص احتلالها أراضي الضفة الغربية وإقامة المستوطنات عليها، كما يدين تصرّف المستوطنين تجاه الفلسطينيين، إلا أنه يأتي بعد 47 عاماً من احتلال الضفة، فـ هل استفاقت محكمة العدل الدولية اليوم على ذلك أم أنّ معطيات هذه الجرأة أتت من واقع مستجدّ؟
في الواقع، كأنّ المؤسسات الدولية قد شُكلت كأدوات في يد الولايات المتحدة والصهيونية العالمية تأخذ القرارات بحق من تريد الولايات المتحدة إخضاعهم مثل معمر القذافي أو عمر البشير وصولاً إلى فلاديمير بوتين ولم تأخذ أيّ قرار ضدّ ( إسرائيل) رغم كلّ الانتهاكات. فهي احتلت جزءاً من الجنوب اللبناني عام 1978 ثم قسماً كبيراً من لبنان بما فيه العاصمة. وقصفت مراكز الأمم المتحدة في الجنوب وقتلت عناصر منها كما قتلت مئات الشهداء الذين التجأوا إلى تلك المراكز. «دولة» العدو استعملت في لبنان كما في غزة القذائف الفوسفورية والعنقودية المحرّمة دولياً دون تردّد وبلا أيّ خوف من عقاب أو حتى ملامة. سجنت الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، والصغار منهم، دون أيّ اعتبار إنساني ولا حتى قانوني، وأقامت حواجز ليس للفصل العنصري وحسب بل لإذلال الناس ولم تخشّ من أيّ مؤسسة دولية فهي كانت مطمئنة إلى دور هذه المؤسسات .
الولايات المتحدة أيضاً ارتكبت كلّ الفضائع في فيتنام في السابق، إنما حالياً فهي بالإضافة إلى تزويدها (إسرائيل) بالأسلحة المحرّمة والأسلحة الحديثة الثقيلة رغم استعمالها على المدنيين وعلى خيَم النازحين حتى في مراكز اللجوء، فإنها ما زالت تحتلّ مناطق في شرق سورية دون أيّ غطاء دولي بما تدّعيه هي الشرعية الدولية وتسرق النفط السوري علناً والقمح السوري، بل قامت بحرق إنتاج القمح الذي لا تستطيع سرقته بغاية تجويع الشعب في سورية، وطبعاً لم تكن ولن تخشى أيّ قرار يدينها!
قبل ذلك احتلت العراق، وأيضاً بدون غطاء دولي ضاربة عرض الحائط بمجلس الأمن والأمم المتحدة، فهما إما ان يكونا أداتين في خدمتها أو لا قيمة لهما. وفي العراق قامت بانتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان (شعارها الدائم والمزيّف) وسجن أبو غريب شاهد يوثق ذلك وقتلت ألوف المدنيين بل ألوف الأطفال وملجأ العامريّة أحد الشواهد .
ما الذي تغيّر؟
إنه الطوفان الآتي من غزة وروافده من لبنان والعراق واليمن، طوفان بشائر التغيير وتحرير العالم بأسره من طغيان التوحّش والهمجية في لباس مظهره أنيق. حين اهتزت دعاىم الصهيونية على أرض فلسطين اهتز معها كلّ التوابع والروافد وسقط من سطوتها الكثير. سارت المظاهرات وعلت الأصوات وحتى القبضات وفاضت الأقلام بالشعارات والمقالات… كلها في وجه الغول المترنّح .
حينها تجرّأت محكمة العدل الدولية.
حين قلنا إنّ فلسطين تحرّر العالم لم يكن مبالغة. هم يعترفون بذلك.
نحن حتى الآن لا ننتظر من المؤسسات الدولية إنصافاً كاملاً إنما يكفينا منها الخروج من سطوة الإرهاب الصهيوني، وحقنا لا ننتظره من أيّ مؤسسة لأنّ الحق لا تصونه إلا قوة أصحاب الحق.
هذه الشموع الكثيرة تنير ظلمة العالم وطلائع الفجر قد أطلّت…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى