أولى

كيف ومتى تردّ «إسرائيل»: محاولة استشراف؟

د. عصام نعمان*

“إسرائيل” تواجه خطراً وجودياً. أركان الائتلاف الحاكم كما أركان المعارضة يسلّمون بوجود الخطر، وهو خطر يهدد كيانها بالزوال.
مبعثُ الخطر طوفان فلسطيني وآخر يمني. الأول تفجّر في 7 تشرين الأول/ اكتوبر 2023. الثاني فاجأ الصهاينة والعالم في 19 تموز/ يوليو 2024. إذا كان أبطال طوفان الأقصى قد تمكّنوا خلال أربع ساعات من السيطرة على معظم مستعمرات العدو الصهيوني في غلاف قطاع غزة واستجرّوا منها عشرات الأسرى عسكريين ومدنيين، فإن الطوفان اليمني امتطى (افتراضياً) متن مسيّرة غير عادية، طارت مسافة ألفي كيلومتر لتضرب عمق تل أبيب من دون أن تتمكّن أجهزة الاستشعار بمختلف أنواعها من رصدها وتعطيلها الأمر الذي أربك قيادات الجيش والموساد والشاباك وأذهل الجمهور الإسرائيلي وأكره رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على تأجيل زيارته للولايات المتحدة.
لا غُلوّ في القول إن طوفان الأقصى أبدع صحوةً نفسية وقومية وسياسية واسعة في عالم العرب اندفعت معها لنصرته شعوب وجماعات وقوى في المشرق والمغرب مترجمةً نصرتها بتنظيم جبهات إسناد للمقاومة في قطاع غزة ولبنان واليمن والعراق، ومحركةً أصحاب الضمائر الحيّة في طول العالم وعرضه، لا سيما في صفوف طلبة الجامعات داخل أميركا وأوروبا.
كما لا مبالغة في القول إن الطوفان اليمني فتح عيون العرب والعالم على حقيقةٍ ساطعة هي تبلور بيئة استراتيجية مغايرة بموازين قوى متطورة ومعادية لمنظومة دول الغرب الأطلسي ومتصدية لها بفعالية في شتى دول غرب آسيا من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً الى شواطئ بحر قزوين شرقاً.
إزاء هذه الواقعات والتطورات والتحوّلات الجديدة الوازنة، كيف تراها تردّ عليها “إسرائيل” العاجزة عن تحقيق أهدافها في قطاع غزة والمنشغلة في مواجهة انتفاضة فلسطينية متصاعدة في شتى مناطق الضفة الغربية؟ هل مقاربتها ستكون عملاً سياسياً يعزّز مركزها التفاوضي في الصراع، أم عملاً عسكرياً واسعاً يصدّ الأخطار والأعداء ويعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية على نحوٍ يخدم مصلحة كيان الاحتلال؟
لا جواب واضحاً يمكن استشفافه من رئيس الائتلاف الحاكم بنيامين نتنياهو الذي يحترف المراوغة والتحايل والتكاذب في سياق سياسةٍ ترمي بالدرجة الأولى الى ضمان استمراره في السلطة وتأمين ذلك بالإصرار خلال مفاوضات الكواليس المغلقة في القاهرة والدوحة على عدم وقف حرب الإبادة التي يشنّها على الشعب الفلسطيني.
في المقابل، يبدو أركان الجيش والأمن الإسرائيليين، عاملين ومتقاعدين، في موقف معارض للحل العسكري الذي يعتمده نتنياهو لكون الجيش منهكاً نتيجةَ اطول حربٍ خاضتها “إسرائيل” في تاريخها منذ سنة 1948، وغير قادر تالياً على مواجهة مقاومة فلسطينية وعربية متنامية ومصمّمة وناجحة في تحقيق إنجاز استراتيجي ساطع بتوحيدها ساحات الإسناد والمواجهة مع العدو.
الى ذلك، هناك الولايات المتحدة، الحليف والراعي والحاضن والمموّل الذي لا تستطيع “إسرائيل” تحقيق أي مهمة وازنة دون موافقته ومشاركته، التي تبدو غارقةً حالياًّ في حمأة انتخابات ساخنة تنطوي على خيارات وتداعيات بالغة الخطورة قد تصل الى حدّ اندلاع حربٍ اهلية في بعض ولاياتها المضطربة.
حتى لو استطاع نتنياهو التخفّف من متاعبه ومسؤولياته الإضافية الناجمة عن قصف تل أبيب والذهاب الى واشنطن لمخاطبة الكونغرس الأميركي بمجلسيه فإن إقناع أعضائه بوجهة نظره ومطامعه لا يمكن ترجمته الى أعمال محسوسة – حتى لو كان الفائز في الإنتخابات الرئاسية دونالد ترامب – قبل ان يتسلّم الرئيس المنتخب سلطاته ويشكّل إدارته (حكومته) في مطلع شهر كانون الثاني/ يناير 2025.
إذن، نحن و”إسرائيل” مضطران، على الأرجح، على متابعة الصراع الدائر حالياً بوتيرة عنفٍ متصاعدٍ وآخذ في الاتساع على مستوى جبهات الإسناد جميعاً وذلك لحين انتهاء مرحلة الانتخابات الانتقالية في آخر العام الحالي.
في هذا السياق، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارةً على مستودعات تخزين النفط في ميناء الحديدة اليمني، ولن يتأخر أنصار الله اليمنيون عن الردّ باستهداف ميناء او موقع إسرائيلي بالغ الأهمية. وقد تتوالى الردود الإسرائيلية كما الردود اليمنية المضادة.
هل تتوقف المفاجآت عند هذا الحدّ؟
ليس تماماً. ذلك أنّ حكومة العدو تضمّ مجموعةً من المجانين على رأسهم نتنياهو نفسه لا تتورّع عن ارتكاب أفظع الحماقات لحماية وجودها ومصالحها. الى ذلك، فإنّ أطراف محور المقاومة تمتلك من القدرات وقوة الإرادة والتصميم ما يمكّنها من الردّ على العدّو بأسلحةٍ متطورة ومناورات وسيناريوات كفيلة بصدّه وإحباطه إن لم يكن بدحره وإلحاق هزيمة مدوّية به.
لنفترض، على سبيل الظنّ، أنّ نتنياهو عاد من زيارته المرتقبة الى الولايات المتحدة بقناعةٍ أو بانطباع قويّ مفاده أن الدولة العميقة في واشنطن، أو على الأقل المرشح الجمهوري دونالد ترامب وأركان حزبه، لن يتركانه وكيانه إلى مصيرهما إذا ما اضطرا إلى شنّ حربٍ واسعة في الإقليم لمحاولة القضاء على مرتكزات البرنامج النووي الإيراني… فهل تراه ومجموعته المجنونة يتردّدان، إزاء تصعيد فاعل لقوى المقاومة الفلسطينية والعربية الموحّدة الساحات، في شنّ هجوم صاعق على إيران بإسناد عسكري من الولايات المتحدة أو حتى بمشاركتها؟
ما زلتُ أرجّح أن ثمة متعقّلين في كيان الاحتلال قادرون على الحؤول دون إقدام نتنياهو ومجانينه على ارتكاب هذه الحماقة المدوّية، لكني لا أستبعد في المطلق إمكانية وقوعها ولجوء الطرفين المتحاربين تالياً الى استخدام أسلحة غير تقليدية في القتال الضاري بينهما.
نتنياهو لن يتورّع عن استخدام أسلحة نووية تكتيكية في “حربه الوجودية” اذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد زوّدته بـِ “معلومات أكيدة” بأنّ إيران لا تمتلك أسلحة متطورة وفاعلة من شأنها إلحاق أضرارٍ بالغة بكيان الاحتلال.
فهل لدى إيران في المقابل سلاحٌ رادعٌ يحمل العدو على صرف النظر عن استخدام السلاح النووي التكتيكي ضدها؟
الأمر الأكيد انّ لدى إيران مئات الآلاف من الصواريخ البالستية بعيدة المدى القادرة على حمل قنابل ثقيلة بطاقة تفجيرية عالية، وأنه في حال أمطرت “إسرائيل” بأعدادٍ كثيفة بها، خصوصاً في منطقة غوش دان (حيث 40 في المئة من سكان الكيان وعمرانه وبناه التحتية ومطاراته وموانئه وقواعده العسكرية) فإنّ فعاليتها التدميرية ربما تفوق فعالية الأسلحة النووية التكتيكية او توازيها على الأقلّ.
إذا كان لدى “إسرائيل” كلّ هذه الحقائق والمعلومات او كانت الولايات المتحدة قد زودتها بها، فإنّ المتعقّلين في المستوى العسكري كما في المستوى السياسي لديها سيكونون قادرين على منع نتنياهو ومجانينه من ارتكاب حماقة القرن.
يبقى سؤال: هل لدى إيران مفاجأة مذهلة تدخرها لردٍّ قريب أو بعيد؟

*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى