حرب المدن ومقامرة نتنياهو
ناصر قنديل
– طوال شهور كانت المعادلة النارية قائمة على تولي البحرية الأميركية بكل طواقمها وبوارجها وحاملات طائراتها مهمة ردع الإسناد اليمني لغزة وشعبها ومقاومتها، وتوق استثنائي من حكومة بنيامين نتنياهو لاستدراج مشاركة أميركية في حرب على لبنان ومقاومته يصعب خوضها دون شراكة أميركية، لما تحتمله من مخاطر دمار العمق الإسرائيلي مقابل التوحّش الناري على المدن اللبنانية والمدنيين فيها، دون استبعاد التوغل البري، هذه المرّة لقوات المقاومة نحو مزارع شبعا المحتلة، وربما بالتنسيق والتشارك مع سورية والمقاومة العراقية نحو الجولان، دون استبعاد فرضية العبور الى الجليل.
– جاء 14 نيسان والردّ الإيراني الرادع، والدور الأميركي المحوري في حماية الكيان من دمار شامل، كما قال الرئيس جو بايدن، وبقي نتنياهو يحلم بالانخراط الأميركيّ معه في حرب على المقاومة في لبنان، بينما تتأكّد للأميركي استحالة تحمل تبعات هذه الحرب أميركيّاً وإسرائيليّاً، وكانت الترجمة في منع نتنياهو من المخاطرة بالردّ على إيران، التي قالت إنه إذا تمّ الرد سوف تردّ بما هو أشد قسوة، وإذا تدخلت أميركا سوف ينالها نصيب من الردّ. وبعد أخذ ورد وكلام عالي السقوف من نتنياهو وأركان حكومته حول الحرب على لبنان، جاء بيان الخارجية الأميركية التي يؤكد الوزير الذي يقودها أنتوني بلينكن، ليقول إن التفكير بحرب واسعة على لبنان يمثل خطراً على أمن «اسرائيل» ومستقبلها، واستمرّ نتنياهو يطلب ويضغط ويتمنّى، حتى حسم الأمر الجنرال تشارلز أبرامز رئيس أركان الجيوش الأميركيّة بقوله، إن المساعدة النوعية التي قدمتها القوات الأميركية في مواجهة الرد الإيرانيّ غير قابلة للتكرار إذا اندلعت مواجهة بين «إسرائيل» وحزب الله نظراً لطبيعة التموضع الجغرافي للقوات الأميركية بما يتناسب مع تقديم المساعدة في الحالة الإيرانيّة واستحالتها في الحالة اللبنانية، ونظراً لقرب بل التصاق المسافات بين نقاط انطلاق نيران حزب الله ونقاط أهدافها، قياساً ببعد المسافات في الحالة الإيرانية. وبعد كلام «جهينة» ابرامز، صمت نتنياهو عن التهديد بالحرب على لبنان، لأنه يعلم محدودية قدرة جيشه على تحمل تبعاتها وتداعياتها.
– كشفت المقاومة في غزة خطة نتنياهو المسماة بالمرحلة الثالثة، التي صنعها الأميركيون لمساعدته على إطالة أمد الحرب دون التسليم باتفاق يلبي شروط المقاومة، واكتشفت أنها محاولة للتأقلم مع استمرار الحرب لكن بخسائر معنوية ومادية وبشرية أقل، فرفضت اعتبارها تخفيضاً للتصعيد وترجمت ذلك بزيادة عملياتها، وفعل مثلها حزب الله بالنسبة لجبهة الإسناد وترجم ذلك أفعالاً ونيراناً. وجاءت المسيّرة اليمنية يافا لتضع النقاط على الحروف بإعلان سقوط المرحلة الثالثة قبل ولادتها، ووجد نتنياهو أمامه فرصة تبدو في الظاهر مناسبة، محورها استبدال الحرب على لبنان بالحرب على اليمن، واليمن صار عنوان إسناد غزة، وقضية البحر الأحمر قضية أميركا وهيبتها وقوة ردعها، بل هي قضية الغرب وأمان خطوط تجارته وتدفق الطاقة إلى الأسواق، وبدا أن هذا الاستبدال صفقة رابحة.
– عندما يفحص نتنياهو جيداً ما هو ماثل أمامه، قبل التورّط عميقاً في لعبة النيران مع اليمن، يجب أن يدقق في الحفرة العميقة التي يقع فيها. فالحرب مع اليمن سوف تصبح حرباً مع اليمن والعراق، وخلف العراق إمداد إيرانيّ كميّ ونوعيّ لا يتوقف ولا يتأثر بالجغرافيا، وسرعان ما يكتشف نتنياهو أن المعادلة هي حيفا ومحطات الكهرباء وخزانات النفط فيها مقابل الحديدة، وتل أبيب مقابل صنعاء، لكن دون أن تكون بيروت ضمن بنك الأهداف، بحيث تبقى قوة حزب الله الصافية خارج الحرب بانتظار مرحلة لاحقة هي مرحلة العبور، التي يدّخر حزب الله قدراته كلها لخوضها، فيتولى اليمن والعراق إنهاك واستنزاف ما تبقى من قوة للكيان، حتى يدنو من لحظة الانهيار فيبدأ ما ليس في الحسبان. فهل يتراجع نتنياهو كما تقول الرسائل السريّة التي يحملها الوسطاء لليمنيين، أم يتورّط نتنياهو ويحفر قبر كيانه وحكومته معاً بيديه؟