أخيرة

دبوس

«العهر العربي»

لو قُيّض لشخص قادم للتّو من كوكب آخر، أن يطّلع بمجرد وصوله الى كوكبنا على الجرائد ووسائل الإعلام الأردنية، لخرج بانطباع بأنّ من يقود العمليات في غزة ضدّ القوات الاسرائيلية ليس محمد الضيف أو يحيى السنوار، بل جلالة الملك عبدالله الثاني وولي عهده وابنته ورئيس وزرائه بشر الخصاونة، ليس هذا فحسب، فوسائل التواصل الاجتماعي من يوتيوب وواتسآب وغيرها تزخر بمشاهد عن تلقائية صاحب الجلالة وعائلته المكرّمة المبجّلة البالغة الشفافية، والمفرطة في تواضعها وتقشفها، واقترابها من الأرض وأهل الأرض، نقاء وجمال وعفوية وطيبة قلب وأريحية بلا حدود، ولا يوجد أيّ ذكر من قريب أو بعيد لانخراط جلالته وعائلته، أباً عن جدّ، في خدمة المشروع الصهيوني والاستتباع المطلق للأوليغارشية الأنجلوساكسونية، والوقوف كالطود الشامخ في وجه أية تطلعات للشعب الاردني، ولشعوب المنطقة للتفلّت من قبضة التبعية، ومن نير السيطرة الخارجية، والتكريس المطلق لكلّ مقومات الدولة، من جيش وأمن ومخابرات وأرض لخدمة التغوّل الغربي، ولحماية الكيان الصهيوني، والخيانة المتجذّرة حتى النخاع، بل وانْ شئنا الجينية، وتنكّر لكلّ ما يمثل لشعوبنا من رموز ومقدسات وطموحات للانعتاق والتنمية والنهوض، لن تجد سوى جلالته وهو يسكب كوباً من الماء بطريقة عفوية، فيعتذر، من فرط دماثته، للجالس خلفه، او تلقائية صاحبة الجلالة وأناقتها ومقارعتها جميلات أوروبا وأميركا، وكلّ نساء المجتمعات المخملية…
صحيح ان الشعب الاردني فيه ممن يقبعون تحت خط الفقر ربما أكثر من نصفه، ومعدل دخل الفرد يكفي بالكاد للمواصلات وكوب من الشاي يومياً، وبنسبة بطالة تدّعي الدولة انها 22%، وهي في واقع الأمر، انْ اضيفت اليها البطالة المقنّعة، تتجاوز الـ 45%، وديون تتجاوز الـ 125% من الناتج المحلي الاجمالي، لا يعلم أحد لماذا استُدينت، ولا أين ذهبت، ولكن الجميع يعلمون بأنّ هذا الشعب الذي هو على وشك ان يتضوّر جوعاً هو من سيقوم بتسديدها…
جيش تراه يتحرك بلا تردّد لقمع ثورة في ظفار، او ثورة في البحرين، او لضرب الشعب الفلسطيني في السموع، أو لإنهاء تمّرد جهيمان بالسعودية، أو، أخيراً وليس آخراً، القيام بالتسليم السلس والسلمي للضفة الغربية للإسرائيليين، لأنّ الموعد لهذا التسليم لـ «يهودا والسامرة» قد أزفّ يا صاحب الجلالة، ولا بأس أن تبقى وصياً على المقدسات، ذراً للرماد في العيون، رغم انّ هذه المقدسات تُنتهك صباحاً ومساءً، ولكن جلالة الوصي المقدس لا يقصّر في إصدار بيانات الاستنكار والتنديد المعدّة مسبقاً، هلّلويا يا صاحب الجلالة…
سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى