الردّ اليمني آتٍ لا ريب…
رنا العفيف
عندما تضع الحرب البربرية أوزارها على غزة، تصبح كلّ الاحتمالات مفتوحة في المواجهة، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على الحديدة في اليمن، ماذا حققت «إسرائيل» من هذه الضربة؟
عدوان إسرائيلي على خزانات الوقود ومحطة الكهرباء في مدينة الحديدة اليمنية، إذ جاء قرار الاستعراض في عدائية انتقامية، الأمر الذي كشفه وزير الحرب يوآف غالانت الذي تبجّح بالدعوة إلى مشاهدة الحريق المشتعل في الحديدة، الأمر الذي يشي بتعمّد مباشر ومقصود بقصف خزانات الوقود، لكن اللافت في هذا الأمر هو الاهتمام الإسرائيلي بالشكل للصورة الدخانية الكثيفة في الحريق المشتعل في الحديدة، أكثر من العمل على تحقيق نتائج هذا الفعل العدواني المشين والذي لم يحقق أياً من الأهداف منها، ولا سيما الحديث عن 25 مقاتلة حربية شاركت في العدوان، ظناً بأنّ هذا السلوك الإجرامي سيثني من عزيمة اليمنيون في مساندة غزة!
في مقابل هذا أكد مصدر يمني رفيع المستوى أنّ صنعاء ستردّ على العدوان، وأنّ الحرب أصبحت مباشرة مع الكيان الإسرائيلي، طبعاً الردّ الرسمي جاء من المجلس السياسي الأعلى في اليمن مساندة ونصرة للشعب الفلسطيني انطلاقاً من الواجب الأخلاقي والإنساني والديني.
وبالتالي عندما نتابع تسلسل الأحداث المتسارعة بدقة نجد أننا قد دخلنا المرحلة الأخطر التي كان العالم يحذر منها ألا وهي مرحلة حرب إقليمية قد تكون شاملة، في خضمّ المواجهة المفتوحة على جميع الاحتمالات إذا استمرّ الاحتلال بالتصعيد، وهذا ما جعل «الإسرائيلي» أمام خيارين أحلاهما مر في البعدين العسكري والسياسي، إما إنهاء الحرب ويعني إعلان الهزيمة وإما مواصلتها والتورّط بحرب استنزاف ترهق الكيان بأكمله،
أما بالنسبة للضربة الإسرائيلية فهي ألحقت خسائر بلا شكّ على المستوى المدني، لكنها لم تكن سوى عمل استعراضي لا نتائج له بالمعنى العسكري، ولا قيمة له إذا كان المقصود منه ردع أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية عن مواصلة عمليات الدعم والإسناد للفلسطينيين، لكن الأهمّ هو أنّ اليمن سيردّ بقوة على هذه الضربة التي تؤكد الغريزة الإجرامية للإسرائيلي وداعميه، ومؤكد بأنّ الضربة أو الردّ اليمني آتٍ لا ريب في ذلك، بمؤازرة من أطراف المحور بأكمله، أيّ سيكون الردّ بحجم التحدي والمواجهة لكي تأتي نتائج الردع مؤلمة وموجعة للكيان حتى يدرك أنّ من دخل عش الدبابير هذا لن يخرج سالماً،
وبين رسائل اللهب المتعدّدة، تحاول «إسرائيل» ترميم ما أمكن من صورتها المحترقة داخلياً، وإعادة شيء من التوازن إلى حرب فرض أنصار الله في أغلب ما مضى محطاتها، وأطرافها، وزمانها، واختاروا لها من الأمكنة دائماً ما يحطم أسطورة الجيش الذي قيل إنه لا يُقهر والقبة الحديدية التي قيل إنها لا تخترق، والعاصمة التي كانت في الفترة التي سبقت طوفان الأقصى إحدى أكثر عواصم «الشرق الأوسط» أمناً وإنّ كانت أيضاً الأكثر تصديراً للرعب واللهب، وربما أصبحت الأكثر استيراداً له منذ عدة أشهر أيّ منذ السابع من اكتوبر، وكذا اليمنيون وأنصار الله يؤكدون أنّ ما لا يدركه الإسرائيليون أنّ تاريخ اليمن مرتبط باللهب، وأنّ حجم ما احترق على الأرض اليمنية من قاذفات النار، أضاء مستويات غير مسبوقة من الإصرار اللامتناهي.
وبشكل خاص، فإنّ سعي «إسرائيل» إلى إلحاق ما أمكن من ضرر بالمصالح الاقتصادية لليمن، وبالأدوات القتالية لليمنيين يعتبر هدفاً أساسياً لـ «اليد الطويلة» التي اتخذتها «إسرائيل» اسماً لاستعراض القوة، وقد كان ذلك لافتاً من حيث ضخامة الطائرات المستخدمة في القصف، ومن حيث عددها وتنوّعها أيضا، حيث سخرت «إسرائيل» أسطولاً جوياً كاملاً لتنفيذ العملية، وشاركت في القصف 20 طائرة من بينها قاذفات من طراز أف-15، وطائرات شبح أف-35، وطائرات حراسة من طراز أف-16، بالإضافة إلى 4 طائرات للتزويد بالوقود جواً، كما رافقتها لمسافة معينة بعض المروحيات.
ومع أنّ الهجوم الإسرائيلي الجديد جاء في يوم واحد بعد القصف غير المسبوق الذي نفذته القوات المسلحة اليمنية على تل أبيب بطائرة مُسيّرة، فقد تسابق المسؤولون الإسرائيليون للتأكيد ـ ضمناً ـ على أن الضربة الجديدة وإنْ نفذت على أراض يمينة، إلا أنها تحمل رسائل إلى خارج اليمن، كما اتضح ذلك من تصريحات نتنياهو ووزير الدفاع، بينما شارك رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا صورة الحرائق في الحديدة، قائلاً «هذه رسالة لكلّ الشرق الأوسط».
وبالتالي قد نشهد تطورات ساخنة حتى تتدحرج الأمور إلى التصعيد وربما سيكون لها مفاعيل وتداعيات لن تقتصر فقط على اليمن و»إسرائيل»، إنما ستشمل أطراف محور المقاومة وقد نشهد ضربات تنسجم وتتناسب مع حجم الاستكبار العالمي، ما يعني في حقيقة الأمر على الصعيد الجيوسياسي والعسكري أننا فعلياً دخلنا مرحلة خطيرة بين العدوان الإسرائيلي والردّ اليمني وعليه قد تتدحرج لاعتبار ليس فقط اليمني المعني بهذا فقط وإنما باقي المحور، والقضية في هذا الشأن هو عندما نرى أنّ المنطقة تغلي برمّتها فهذا قد يكون أنّ الأمور تتجه إلى حرب أوسع ولأول مرة في التاريخ تحصل مجابهة مباشرة بين اليمن والإسرائيلي من جهة واليمن والولايات المتحدة من جهة أخرى وهذا يترجم فعلياً العداوة المباشرة ضمن أطر تلقي الردّ اليمني، وهناك نقطة هامة جداً وهي يجب أن لا نقلل من أهمية الضربة على الحديدة لطالما تمثل نقطة عصب ارتكاز الميناء الرئيسي لأنصار الله وما يستحوذ عليه من أهمية للشعب اليمني على صعيد الاستفادة والبترول وتلك التي تخص الحياة الاقتصادية، وهي في حقيقة الأمر ما فعله الكيان في الحديدة هو نفسه الذي يطبّقه على الشعب الفلسطيني إذ يقتضي بأن ما تفعله «إسرائيل» في غزة تنوي بشكل عملي فعله على اليمن، لذلك قد نرى تصعيد على مستوى ربما حرب ما لم تتدحرج نحو مرحلة وهي الأخطر والمنشآت مقابل المنشآت بعد أن افتتح الكيان باباً جديداً عنوانه الأبرز استهداف المنشآت الحيوية المدنية ومحطات كهرباء في الحديدة وهذا قد يقابله إصابة محطات الكهرباء في طول الكيان وعرضه إضافة إلى عصب النفط أو منصات الغاز في البحر المتوسط…