أولى

تصعيد المواجهة بين مراحل العدوان ومراحل المقاومة

العميد د. أمين محمد حطيط*

زعم العدو «الإسرائيلي» بأنه بعد رفح سيحقق «الانتصار المطلق» في غزة ما يمكنه من فرض إرادته على القطاع وتحديد صيغة «اليوم التالي» بعد الحرب في قطاع غزة أو أقلّه الانتقال الى ما أسماه المرحلة الثالثة من عدوانه على القطاع، وهي المرحلة التي تلي المرحلتين السابقتين وهما المرحلة الأولى التي نفذت بقصف ناري تدميري من البر والجو وأحياناً البحر، والمرحلة الثانية التي تمثلت بما أسماه العدو «المناورة البرية» التي نفذها على 3 مراحل فرعيّة وعوّل عليها كثيراً باعتبارها المرحلة التي ستحمل له «النصر المطلق».
بيد أنّ آمال العدو في عدوانه وادّعائه القدرة على تحقيق النصر، تبخرت في الميدان حيث استمرّت المقاومة تضبط إيقاعه وتسيطر على مسرح عملياته وتوجّه الأمور باتجاه اقتياد العدو الى حرب استنزاف فُرضت عليه في قطاع غزة جعلته يقف أمام الحائط المسدود أو يتحرّك في رمال متحرّكة يغرق فيها أكثر كلما تحرّك أكثر.
وبعد ما يلامس 10 أشهر على العدوان، تشكلت قناعة لدى المتابعين الموضوعين بصرف النظر عن موقعهم ومهامهم اليوم، قناعة مضمونها انّ «إسرائيل» هزمت في غزة وفشلت في تحقيق أيّ من أهدافها الثلاثة التي ادّعت أنها تنفذ العدوان من أجل تحقيقها، والأخطر من ذلك أنه بات يقيناً ومسلماً به عند الصديق والعدو لـ «إسرائيل» بأنّ مزيداً من تمديد الحرب لن يأتي لـ «إسرائيل» إلا بمزيد من الخسائر وكشف العيوب والثغرات في البنية الدفاعيّة والابتعاد عن مواقع القوة الرادعة والهيبة المانعة.
وفي المقابل نجد أنّ المقاومة رسمت في جبهاتها المتعدّدة من رئيسية وإسناد، المشهد بما يلائمها ونجحت في اعتماد الاستراتيجيّات المناسبة والتكتيكات الملائمة لكلّ مرحلة من مراحل المواجهة ومنعت العدو من تحقيق أهداف عدوانه، وهنا يُسجَّل لكلّ جبهة خصوصيّتها ونجاحها في ضبط الإيقاع على مسرح عملياتها بحيث حاصرت العدو وأفشلته رغم إفراطه في الممارسات الوحشيّة والإجراميّة خاصة في غزة والضفة الغربية.
وهنا ننوّه بالتدرّج المرحلي الذي اعتمد على جبهات الإسناد من أجل تفادي الروتين الذي يُفسد فعالية الضغط، تدرّج في ركن أو أكثر من الأركان الأربعة التي تقوم عليها المرحلة او التي تحدّد ضوابطها وهي ركن منطقة العمليات، وركن الأهداف وركن السلاح المستعمل وركن المناورة. وعندما يتمّ الحديث عن مرحلة جديدة يدخل إليها مكوّن من مكونات محور المقاومة نكون نعني هذه الأركان بذاتها، بخلاف الحال مع حديث العدو عن مراحله الثلاث التي تندرج تحت عنوان القصف التدميري والاقتحام والاستنزاف.
لقد واجه محور المقاومة في جبهاته المتعدّدة كلها من رئيسية وجبهات إسناد، مراحل العدوان الإسرائيلي بضغط وحصار تمّ التنفيذ فيه وفقاً لمراحل متدرّجة أمّنت استمرارية الضغط على العدو وحرمته من الحسم ومنعته من تحقيق أيّ إنجاز عسكريّ يتوق إليه ما وضع «إسرائيل» الآن أمام خيارين، إما القبول بوقف إطلاق النار بشروط المقاومة مع ما يترتّب عليه من تداعيات استراتيجية وسياسية ليس أقلها وضع «إسرائيل» في خانة الخاسر المهزوم وانهيار حكومة نتنياهو التي ستلاقي حتفها إذا وافقت على وقف إطلاق النار خلافاً لما يريد اليمين المتطرّف فيه، أما الثاني فهو الهروب الى الأمام عبر شنّ حرب إقليميّة واسعة تعلم «إسرائيل» مسبقاً بأنها حرب ستفتح عليها 5 جبهات في الحدّ الأدنى وستكون حرب انهيار الكيان برمّته إذا خاضتها بمفردها بدون مشاركة فعّالة من أوروبا وأميركا، طبعاً لا نهمل احتمال الاستمرار في الوضع الحاليّ لمدة من الزمن لا تتعدّى بضعة أشهر لا تقوى «إسرائيل» على تجاوزها.
فإذا أجهضت “إسرائيل” مشاريع وقف إطلاق النار التي تعمل عليها أميركا مع قطر ومصر، وفي ظلّ عجز “إسرائيل” عن الذهاب الى حرب إقليمية واسعة بمفردها وإحجام أميركا عن خوضها مع العدو الإسرائيلي، فإنّ الوضع الميداني سيبقى يراوح مكانه وسيستمرّ العدو بالتهديد بالمرحلة الثالثة، وفقاً لما سبق ذكره، أما المقاومة فإنّها ستستمرّ في المواجهة الفاعلة مع ارتقاء وتصاعد في الضغوط التي تمارَس على جبهات الإسناد تصاعداً كمّياً ونوعيّاً في العمليات العسكرية، وبهذا يُفهم ما هدّدت به المقاومة في لبنان من توسيع دائرة النار والاتجاه لشمولها مستعمرات صهيونية جديدة، أو ما يتحدّث عنه اليمن من دخول في المرحلة الخامسة التي يُعاد النظر فيها ببنك الأهداف ومسرح العمليات.
ومع هذه الصورة نجد أنّ الأمور ستتجه في حال تعنّت “إسرائيل” ورفضها وقف إطلاق النار المعروض حالياً، بالمواجهة الى التصعيد المضبوط الإيقاع الذي لا يؤدي الى انفجار إقليمي واسع، وهي مواجهة سيستنزف فيها العدو أكثر وتكشف فيها المزيد من الثغرات ونقاط الضعف في بنيته بعناوينها كلها عسكرية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو ديمغرافية ويكون محور المقاومة في ذلك جاهزاً لكسب نقاط جديدة في المواجهة الطويلة الأمد. فهل يعود نتنياهو من أميركا مستجيباً لما تسعى إليه أميركا بوقف إطلاق النار الذي ينقذ “إسرائيل” من حماقة حكامها…؟

*أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى