مقالات وآراء

نتنياهو في الكونغرس: خطاب التوحش والاستعلاء العنصري

‬ خضر رسلان

تجذّرت صورة بنيامين نتنياهو في خطاب اليمين «الإسرائيلي» بوصفه الزعيم الذي يضمن أمن «إسرائيل» وهويتها كـ «دولة يهودية»، وهو الذي اختار عام 1993 لاستمالة الناخبين الصهاينة وقُبيل انتخابات الكنيست ودخوله المعترك السياسي الإسرائيلي كرئيس لكتلة المعارضة إصدار كتابه «بيبي… قصة حياتي» جنّدها للتأثير على المجتمع الإسرائيلي واستمالة الناخبين من معسكر اليمين إلى جانبه ـ سيرته الذاتية التي سردها في 600 صفحة، هدفت الى إقناع الصهاينة على أنه الزعيم القادر على حماية أمنهم القومي سواء في مكافحة ما سمّاه «الإرهاب العالمي»، وفزّاعة «النووي الإيراني» أو في العمل على إفشال مسار المفاوضات مع الفلسطينيين وترحيلها إلى أجل غير مسمى، ووضع قضية الغاء الهوية الفلسطينية على رأس أولوياته ـ «ملتزماً بأيديولوجية أرض إسرائيل وانتمائها للشعب اليهودي»، وعدم تقديم تنازلات للفلسطينيين وتكريس ذلك كجزء لا يتجزأ من تحديّات «الأمن القومي الإسرائيلي» الذي أراد بمؤازرة من معظم القوى الغربية تحصينه عبر توقيعه اتفاقيات التطبيع مع دول عربية وإسلامية من دون أيّ مقابل.
جاءت أحداث طوفان الأقصى كردّ فعل طبيعي من شعب اغتصبت أرضه وانتهكت مقدساته وأصبحت هويته الوطنية قاب قوسين أو أدنى من الأفول والاندثار؛ إلا أنّها تركت آثاراً وتداعيات متعددة إذ كشفت عن حقائق مزرية يمكن الإضاءة على بعضها من خلال أمرين:
1 ـ التوحش المقونن:
إنّ واقع العالم اليوم يعكس مأساة متجدّدة لتاريخ يعيد نفسه، وحقائق أصبحت متكرّرة فالذين بشروا بالحرية والإنسانية ووضعوا قواعد العالم الجديد ميثاقاً وقانوناً دولياً وعلاقات دولية، هم أنفسهم من كانوا في ذات يوم التوقيع على ميثاق المنظمة الوليدة، يوم 26 يونيو/ حزيران 1945 في سان فرانسيسكو، يحتلون نصف العالم، ويعيثون في الجزائر، والهند، وفيتنام، وفلسطين، وغيرها الكثير على مساحة العالم وامتداده، فساداً وقتلاً واستغلالاً وإفقاراً، ليُحَولوا ذلك الميثاق منذ ولادته، إلى أداة لحماية مصالحهم بمنتهى الفجور في غالب الأحوال هم أنفسهم الشهود على جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، والتي تتمُّ على مرأى ومسمع العالم المتحضّر، المنتصر في الحرب العالمية الثانية والذي أخذ عهداً على نفسه بعدم تكرار الإبادة أو الحروب، بل إنّ عدم وقف إطلاق النار حتى اليوم، يعني بالنتيجة إعطاء دولة الاحتلال ضوءاً أخضرَ ومزيداً من الوقت للمضيّ قدُماً في جرائمه وانتهاكاته.
2 ـ الاستعلاء العنصري الدولي:
خطاب نتنياهو المسؤول الأول عن إزهاق أرواح عشرات الآلاف من العزّل والمحاصَرين في غزة أمام أعضاء الكونغرس الأميركي وحديثه عن محاربة الإرهاب ودعوته الى التحالف الابراهيمي ووصف جيشه المرتكب للإبادة الجماعية بأكثر الجيوش انضباطاً والأكثر حرصاً على حياة المدنيين وسط التصفيق الحادّ من أعضاء الكونغرس الأميركي الذي ضرب بعرض الحائط كما الإدارة الأميركية قرارات مدّعي عام المحكمة الجنائية التي صدرت في العشرين من أيار الفائت والتي تضمّنت إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بل ذهب الرئيس الأميركي الى أبعد من ذلك حينما وصف الطلب الذي قدّمه مدعي المحكمة الجنائية الدولية بـ»الأمر الشائن».
وماذا بعد وعلى الرغم من تماديه في القتل والجرائم وعلى الرغم من محاكمته في كيانه بتهم الفساد وخيانة الأمانة، كما ارتكابه أبشع انتهاكات القانون الدولي وجرائم الحرب يتمّ استقباله والترحيب به في مشهد يعكس انحطاط لحضارة تدّعي الإنسانية والعدالة وحقوق الإنسان، وهو ما يوجب تغييراً جذرياً في العلاقات الدولية وتعزيزاً لمقدرات القوة والمنعة سواء لدى الدول او منظمات المجتمع المدني والقوة الحية في العالم لبناء منظومة قيم وعلاقات أكثر عدالة قائمٍة على التوازن والمبادئ بين أنداد أكْفاء وليس بين سادة وعبيد، بين ثقافات مختلفة ومتنوعة تغني الحياة البشرية والوجود الإنساني، وليس بينها ثقافات هدامة ومتوحّشة محكومة بالاستعلاء العنصري.
وتبقى نظرية صنع القوة هي الحاكمة في عالم لا يحترم إلا الأقوياء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى