أهداف «الناتو» من تزويد أوكرانيا بطائرات «أف 16»؟
حسن حردان
بعد فشل هجوم الجيش الأوكراني مدعوماً من دول الغرب في تحقيق التقدّم المنشود على جبهات القتال الرئيسية في أوكرانيا، في الخريف الماضي، ونجاح استراتيجية الجيش الروسي في احتواء هذا الهجوم واستنزاف القوات الأوكرانية وإلحاق خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد، وعودته منذ بدايات فصل الشتاء إلى تنفيذ خطته بشنّ هجوم واسع على الجبهات الأساسية وتحقيق تقدّم كبير في السيطرة على العديد من المدن والبلدات الحيوية في خاركوف ودونيتسك، بعد هذه التطورات الدراماتيكية دخل الجيش الأوكراني في مرحلة التراجع المستمرّ في الميدان، وفشل رهان الغرب على استنزاف روسيا وإلحاق الهزيمة بقواتها، وارتفعت صرخات الرئيس الأوكراني زيلينسكي طالباً النجدة من الغرب لوقف تقدّم الجيش الروسي وإنقاذ نظامه من خطر الهزيمة، من خلال المسارعة إلى تزويده بأسلحة متطوّرة قادرة على وقف تقدّم القوات الروسية وتمكين قواته من الصمود في الميدان، فيما الهجمات الإرهابية التي استهدفت المدن الروسية فشلت في هز استقرار روسيا، والنيل من الداخل الروسي…
أمام هذه التطورات التي قلبت مسار الحرب في غير مصلحة الغرب، قرّر حلف الناتو وبدفع من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تزويد أوكرانيا بأسلحة جديدة كان يتردّد سابقاً في إرسالها إليها، وأعطى الإذن لكلّ من هولاندا والدنمارك بإرسال طائرات «أف 16» إلى أوكرانيا لتمكينها من وقف تقدّم القوات الروسية، وجعل أوكرانيا قادرة على أن تفرض شروطها لحلّ الأزمة مع روسيا من موقع القوة.
لكن لوحظ انّ هذا التأجيج في نار الحرب من خلال تزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة المتطورة ولا سيما طائرات «أف 16» لم يصل إلى درجة السماح لأوكرانيا باستخدامها في قصف الأراضي الروسية وذلك تجنباً لتورّط الحلف مباشرة في الحرب مع روسيا التي هدّدت بالردّ بقوة إذا ما تمّ قصف أراضيها بأسلحة غربية.
لذا يبدو أنّ الهدف الغربي تمكين أوكرانيا من وقف التقدّم المتواصل للجيش الروسي في جبهات القتال، لا سيما في خاركوف ودونيتسك.. الأمر الذي اعتبرته روسيا بمثابة توجه من الناتو يدفع الأمور نحو تصعيد خطير.. ما دفع منسّق الأنشطة السياسية في البيت الأبيض الأميركي جون كيربي إلى التحذير من أنّ تحوّل الحرب في أوكرانيا إلى حرب بين روسيا والغرب سيؤدي الى كارثة.. مما يؤشر إلى أنّ واشنطن تحاذر التورّط بصورة مباشرة في هذه الحرب، وفي نفس الوقت تريد مواصلة دعم أوكرانيا ومدّها بالإمكانيّات العسكرية والمال بما يجعلها قادرة على الاستمرار في حرب استنزاف روسيا، ايّ الاستمرار في شنّ الحرب ضدّ روسيا بواسطة أوكرانيا، حتى آخر جندي أوكراني، لأنّ الغرب بات قلقاً من انتصار روسيا، وتداعيات هذا الانتصار لناحية تعاظم دور ونفوذ روسيا في الساحة الدولية وبالتالي إضعاف
الهيمنة الأميركية التي تشهد تراجعاً ملحوظاً… نتيجة أمرين:
ـ الأمر الأول، تراجع القوة الاقتصادية الأميركية، لصالح تنامي قوة دول مجموعة بريكس، التي تضمّ القوى الصاعدة اقتصادياً في الشرق وفي مقدّمتها الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا إلخ…
ـ الأمر الثاني، فشل حروب أميركا المباشرة وغير المباشرة، في أفغانستان والعراق وسورية في محاولة تعويم الهيمنة الأميركية، وتكبّد أميركا خسائر جسيمة على الصعيدين الاقتصادي والمادي، الأمر الذي فاقم من الأزمة الاقتصادية والمالية الأميركية والتي تعكسها أزمة نمو العجز في الموازنة إلى نحو تريليون وتسعماية مليار دولار، وزيادة الدين العام إلى ما يفوق 34 تريليون دولار، وهو رقم مهول يتجاوز كثيراً حجم الناتج القومي للولايات المتحدة.. مما يجعلها تدخل مرحلة الانحدار المتواصل في قوتها العالمية اقتصادياً وسياسياً..
من هنا فإنّ سياسة الغرب بقيادة أميركا تتجه إلى مزيد من ارتكاب الحماقات ومواصلة الرهان الخاسر على الحرب ضدّ روسيا، التي لن تؤدي، كما برهنت حتى الآن، الا إلى تعميق أزماته الاقتصادية كما تؤشر الأوضاع في الدول الاوروبية، والى المزيد من تراجع سطوته ونفوذه على الصعيد الدولي..
فاعتقاد الغرب بأنّ تزويد أوكرانيا بأسلحة جديدة متطورة سيحدث تغييراً في مسار الحرب.. ردّ عليه سريعاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالقول، إنّ إمدادات الأسلحة الجديدة إلى أوكرانيا، بما في ذلك طائرات «أف 16»، لن تغيّر الوضع على الجبهة، بل ستؤدي إلى إطالة أمد الوضع ومزيد من تدمير أوكرانيا.
وأكد بوتين أنّ المقاتلات «أف 16» إذا ظهرت في القوات المسلحة الأوكرانية، سوف تحترق بنفس الطريقة التي تحترق بها المعدات العسكرية الأخرى التي يسلّمها الغرب لكييف…
ولهذا فقد اعتبر رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان ان زيادة دور الناتو في النزاع في أوكرانيا «أمراً خطيراً وغير مسؤول»، مؤكداً «أنّ هنغاريا لن تشارك في أيّ مهمة للناتو في أوكرانيا…»