القراران 181 و194 إلى الواجهة مجدداً
ناصر قنديل
من حق أي فلسطيني وأي عربي وأي إنسان حر متمسك بالقواعد التاريخية والقانونية العميقة لنشوء الأمم، ومفهوم حقوق الشعوب في أوطانها، والمدرك لمشاريع الاستعمار وخلفياتها وموقع اتفاقيّة سايكس بيكو ووعد بلفور في صياغة الجغرافيا السياسية لأقاليم سورية الطبيعية والتاريخيّة بما يخدم المشاريع الاستعمارية، أن يرفض وجود كيان الاحتلال بالمطلق، وأن لا يعترف بشرعيّة وجوده، رغم عضوية الكيان في الأمم المتحدة، وصدور قرارات دوليّة تتعامل معه كحقيقة قانونيّة، ولكن ممارسة هذا الحق لا تحجب عن صاحبه الحق بمناقشة السياق القانوني للتعامل الأممي السياسي والقانوني مع مشاريع التسوية المطروحة للقضية الفلسطينية تحت عنوان حل الدولتين، الذي تحول إلى عنوان كل بحث عن حل يُعيد الاستقرار إلى المنطقة المتفجّرة منذ عشرة شهور بصورة تهدد كل الاستقرار العالمي، بعدما نجح طوفان الأقصى في إعادة القضية الفلسطينية إلى أولويات جدول الأعمال العالمي.
جاء قرار المحكمة الدولية الاستشاري حول إجراءات الاحتلال في المناطق المحتلة عام 1967، ليفتح النقاش حول حدود الشرعية القانونية لسلوك الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، ولأن القرار محكوم بالجواب على سؤال يتصل بالأراضي المحتلة عام 67 فهو كان مقيداً بهذا الإطار الجغرافي، لكن مجرد استناد القرار الاستشاري الى مفهوم الوطن والشعب الواحد اللذين حسم أمر انطباقها على فلسطين وشعبها، يجعل السؤال عن حال الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48 كجزء طبيعيّ من هذا الوطن وهذا الشعب موضوع سؤال قانونيّ جدّي. فهل يملك كيان الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 48 شرعيّة لا يمتلكها في الأراضي المحتلة عام 67، لمجرد أن التداول السياسي بحل الدولتين ينطلق بتوافق سياسيّ على أن المقصود دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67؟ ومن المؤكد أن السياسة لا تلزم القانون وأهله بشيء ما لم تستند الى ركائز الشرعيّة القانونيّة، طالما أن لا وجود لأي مستند قانونيّ يحسم أمر شرعيّة قيام كيان الاحتلال على الأراضي المحتلة عام 1948.
من اللافت هنا أن يتضمّن بيان الفصائل الفلسطينية الصادر من بكين، والذي جاء بخلفية تغيير موازين القوى الذي أحدثه طوفان الأقصى، إشارة واضحة إلى القرارين 181 و194، ومعهما القرار 2334 الخاص بنزع الشرعيّة عن مستوطنات الضفة الغربية والاستيطان في القدس، وليس ذلك تعبيراً عن فتح الطريق أمام جغرافيا حل الدولتين بصورة مخالفة لما هو متداول باعتبار حدود العام 67 بمثابة حدود فاصلة بين الدولتين. وهو بالطبع ما لا يقبله كيان الاحتلال أصلاً، لكن النقاش القانوني يوصل حكماً إلى اكتشاف أن لا أرضية قانونية لحدود الدولتين إلا ما صدر في القرار 181 المعروف بقرار تقسيم فلسطين الصادر عام 1948، والمتلازم معه قرار ضمان حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة عام 48، وتاريخ صدور القرار وحده كفيل بتأكيد المقصود بالعودة، بمعزل عن كل فذلكات مفاوضات التسويات التي جرت تحت عنوان حل الدولتين ووصل بعضها إلى التداول بما هو أقل بكثير من الأراضي المحتلة عام 67 والى اختزال حق العودة والتعويض بالتعويض، أو ربط العودة بحصرها بالأراضي المحتلة عام 67 التي تقوم عليها دولة فلسطين.
في القرار 181 مناقشة لتفاصيل التفاصيل في كل شيء، ورسم دقيق للخط الحدوديّ بين الدولتين المفترضتين، وربط الاعتراف بهما بتوقيع حكومة كل منهما لتعهد الالتزام بنص القرارين 181 و194، ما يجعل شرعية الكيان القانونية معدومة خارج قبوله بالقرارين بمضمون ما ورد في النص الواضح، سواء حق العودة الى الأراضي المحتلة عام 48 أو ما يخصّ حدود الدولتين ومستقبل القدس، التي ينص القرار على جعلها منطقة تحت إشراف أمميّ، أما في الحدود فيمنح القرار للدولة اليهودية نصف الأراضي المحتلة عام 1948 تقريباً، حيث شريط ساحلي حتى حدود غزة بعرض عشرة كيلومترات تقريباً، فتكون القدس كلها ومحيطها ضمن حدود الدولة العربية، وتمتدّ غزة مع شريط جنوبي عريض على طول الحدود مع مصر، وتمتدّ الدولة العربية على طول الحدود مع لبنان وتكون الأراضي حتى عكا والناصرة ضمنها، بحيث يكون الجليل الأعلى والجليل الغربي جزءاً منها، باستثناء إصبع الجليل حتى حدود بحيرة طبريا، وتكون الدولة العربية متصلة جغرافيا من الشمال إلى الجنوب، الجليل والضفة وغزة، وعليها ضمان حرية التنقل لمواطني الدولة الثانية بين مناطق الدولة غير المتصلة، حيث الساحل منفصل عن النقب وإصبع الجليل منفصل عن الساحل.
النقاش القانونيّ هنا ليس لشرعنة وجود كيان على جزء من أرض فلسطين، وهو لن يقبل بدولة فلسطينيّة على أي جزء من فلسطين، فكيف على ثلاثة أرباعها؟ ذلك أن هدف النقاش من جهة، هو ايجاد إطار قانوني في معركة نزع الشرعية عن الكيان، وهي شرعيّة ربطها القرار 181 باعتراف حكومته بهذا القرار والقرار 194 معاً. ومن جهة ثانية، تقييد سقف التنازلات التي يمكن لأي قيادة فلسطينية أو عربية أن تقدمها بداعي ترسيم افتراضي غير صحيح للحقوق القانونية والشرعية الدولية، كما حدث في المبادرة العربية للسلام وقرارات منظمة التحرير الفلسطينية عبر الدعوة لدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 واعتبار مجرد رفض الكيان لها علامة على صحة الطرح، وهو غير صحيح.