دبوس
الضالّ بالسليقة والضالّ استتباعاً…
لكأن كلّ شيءٍ كان على ما يرام، وهنالك شعوب تعيش بجوار بعضها، والكلّ يمارس حياته بطريقة طبيعية من دون منغّصات، ثم، وذات فجأة، وبلا مقدّمات، قام شعب، يدعى الشعب الفلسطيني، ومن دون استفزاز، وبلا مبرّر، قام بالهجوم على شعب آخر مسالم، يدعى «الشعب الإسرائيلي»، كافي خيره شرّه، يمارس الحياة، ويحب الخير للجميع، وهو كالحمل الوديع، ولكن أولئك الأشرار «المخرّبين الإرهابيين» الفلسطينيين، ومن لفّ لفيفهم، هاجموا ذلك الشعب الإسرائيلي المسكين، وأعملوا فيه تقتيلاً واغتصاباً وترويعاً واحتجازاً وتقطيعاً لرؤوس الأطفال،
تلكم هي القصة، وتلكم هي الحكاية، هكذا تسرد السردية في هذا الغرب القاتل، لقد بدأ الزمن في السابع من أكتوبر، وقبل ذلك لم يكن هنالك لا زمن ولا تاريخ، لم تحتلّ الأراضي الفلسطينية، لم ترتكب مئات وآلاف المجازر ضدّ الأطفال والنساء والشيوخ لإجبارهم على الهجرة، لم يؤتَ بقطعان المستوطنين من كل بقاع البسيطة ليسرقوا الأرض الفلسطينية، ويقيموا عليها بعد التهجير الدموي لشعبنا، لم يقم هذا الكيان المارق بآلاف الاغتيالات ضدّ قياداتنا وضدّ كوادرنا، ولم يعتقل هؤلاء الفاشيين عشرات الآلاف من شبابنا، وأخيراً وليس آخراً، لم يقوموا بالتعاون مع الغرب وبعض الأعراب بحصار قاتل لشعبنا في غزة، لمدة ستة عشر عاماً كاد الناس يتضورون جوعاً من قسوته، وارتقى الآلاف بسبب ندرة الدواء والاستشفاء، أمّا العربي أو المسلم والذي عايش واستيقظ ونام وتعلّم وتشبّع حتى التخمة بقضية الفلسطيني، وما حدث له منذ تباشير القرن الماضي وحتى الآن، ورأى بالعين وسمع بالأذن كلّ المعاناة والتشرّد والتقتيل والتهجير الذي مرّ به شعب فلسطين، ثم لسبب أو لآخر أزاح بنفسه بعيداً، وتمنّع وتباطأ وطنّش ونظر الى الناحية الاخرى، وقال هذا أمر لا يعنيني، ويكفينا ما فينا، والشغلة طالت، وبلدنا أولاً، هذا العربي أو المسلم هو شرّ البريّة، وهو نقيض الخير ولن يجديه فتيلاً كل صلوات الليل والنهار، وحضور الاسحار، ولن يجدي نفعاً حجّ البيت إنْ استطاع إليه سبيلاً ألف مرة، وليتبوّأ مكانه في جهنّم خالداً فيها كلّ من أدار ظهره لأطفال غزة ونساءها وهم يذبحون، ولو أمضى كلّ عمره ساجداً راكعاً باكياً خاشعاً…
سميح التايه