مرويات قومية
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء« هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.
إعداد: لبيب ناصيف
أضواء على الحزب في منطقة المصيطبة
لم تتميّز المصيطبة في تاريخ الحزب في بيروت، لأنها احتضنت في تموز عام 1949 جثمان سعاده في مدافن مار الياس بطينا، ولا لأنها – قبل ذلك – شهدت تدفق عشرات الألوف من أبناء شعبنا الى مطار بئر حسن – المنطقة الجنوبية من المصيطبة – لاستقبال زعيم الحزب عائداً من مغتربه القسري في 2 آذار 1947، بل لأنها كانت من أولى مناطق بيروت التي تعرّفت إلى الحزب، فانخرط فيه العديد من ابنائها واستمرّت ليومنا هذا تشهد على حضوره رغم كل الظروف الصعبة.
في السنة التأسيسية الثانية 1933 – 1934، وفيما لم يكن تجاوز عدد أعضاء الحزب العشرات، انتمى الرفيق جميل بتلوني – وكان طالباً في الجامعة الأميركية – فكان الرفيق الأول الذي ينتمي في منطقة المصيطبة. ولم تمضِ سنتان حتى انتمى شقيقه سليم – الطالب بدوره – والرفيقان معروفان في المصيطبة، كما كان والدهما الدكتور نجيب. والاثنان وافتهما المنية منذ سنوات.
ومنذ ذلك التاريخ عرفت المصيطبة انتماء العشرات من مختلف العائلات.
نحن هنا نحصر حديثنا بشكل أساسي بالمنطقة الوسطى من المصيطبة، فيما عرفت المنطقة العليا (محيط صائب سلام، حي اللجا، أعالي برج أبو حيدر) بـ مديرية المصيطبة الأولى.
في المصيطبة الوسطى انتمى رفقاء من عائلات جنحو، حبيب، برباري، ابو رزق، متني، ريّس، ناصيف،
مجدلاني، نصر- بسكنتاوي، طرزي، موصللي، منيّر، بطحيش، ابراهيم، آسيو، بهنام، مالك، آحو، معلوف، ديراني، كبريـال، ملكو، قومي، بيطار، جزراوي، قاصوف، النمس، جبران يحدو، نوبر، فرح، شهرستان، وغيرهم. واذا كان البعض من الرفقاء غادر الوطن الى المغتربات أو الى مناطق خارج بيروت، او ان المنيّة وافت البعض ايضاً، فإن الكثيرين ما زالوا مقيمين، وقد انضمّ اليهم، تباعاً، العشرات من الرفقاء الذين انتقلوا للإقامة في المصيطبة، لفترة محددة او بشكل نهائي، نذكر منهم: النائب السابق جميل شماس، الأمين هنري حاماتي، الأمين لبيب غانم، الرفقاء: سليم خير الله، الكاتب والصحافي جورج مهنا، مروان نقولا قباني، الصحافي حسن شقير، الصحافي مصطفى زين وعقيلته عفاف ديراني، الدكتور عادل داعوق، الإعلامي وديع الحلو الذي اقترن من الرفيقة دوسي منيّر، محافظ الجنوب السابق حليم فياض، الشاعر المعروف علي أحمد سعيد (ادونيس)، المذيعة اللامعة عبلة خوري، الكاتب والأديب عبد اللطيف كنفاني، نهاد طعمة، ابراهيم وخليل الوزير، المهندس منير حداد، يوسف ابو السق، حبيب الراعي، موسى نقولا، عبد الرحمن نويري، ادوار رزق بقاعي، أحمد عثمان، نظير ونبيل مهدي، مأمون منصور، الياس مالك (قدسية)، ميشال صباغة، محمد عبد الله، حسن زلزلي (الأمين لاحقاً)، الياس حبوش، نبيل خيرالله، أكرم دندشي، حسن مقبل، توفيق خيرالله، نجوى الطيارة الداعوق.
عرفت المصيطبة ايضاً إقامة العشرات من قيادات الحزب فيها.
نذكر على سبيل المثال: العقيد زهران يمين، المقدم الشهيد غسان جديد الذي كان يتنقل في عديد من البيوت باسم جورج خوري، الأمناء: الياس جرجي، عبدالله قبرصي، أسعد حردان، عبد الله محسن، نواف حردان، جميل العريان والأمين الشهيد محمد سليم.
أما على صعيد المكاتب الحزبية فإنّ العديد من الأنشطة الإدارية والإذاعية كانت تجري في منازل الأعضاء، أكثرها في منزلَي الأمين عبد المسيح طرزي والرفيق رامز سري الدين. انما اضطرت ظروف الحرب الأهلية الى ان يعتمد الحزب مكاتب له، وان يدعّـمها أحياناً بعناصر مسلحة بهدف الحفاظ على أمن المنطقة وطمأنينة أبنائها. فكما استفاد من بناء مدرسة « نوتر دام» في وطى المصيطبة وأقام فيها موقعاً عسكرياً، استفاد ايضاً من بناء «تكميلية الزيدانية الرسمية» في منطقة طلعة شحادة، ثم اتخذ له مكتباً في شارع بشير جنبلاط، وفيه حوّل قطعة أرض كانت ترمى فيها النفايات، الى حديقة باسم الرفيق الشهيد كنج ماضي قبل ان ينتقل الى كورنيش المزرعة.
جميع القاطنين في محيط مكاتب الحزب كانوا يرتاحون للوجود القومي الاجتماعي. فلا سرقات ولا تعديات على المواطنين وكثيراً ما قام الرفقاء بتأمين انتقال المواطنين «المسيحيين» من والى المطار، والمناطق المسمّاة «شرقية»، في سنوات الحرب اللبنانية.
ولا بدّ أن نشير الى احتضان المصيطبة لعدد غير قليل من الرفقاء الذين دفعتهم الحرب المجنونة الى مغادرة مناطقهم، خاصة سن الفيل – النبعة، فحلّ البعض منهم في البناء الذي كان يقيم فيه الأمين هنري حاماتي في منطقة الاونسكو، وفيه حلّ منفذ عام «الضاحية الشرقية» الرفيق علي حمزة، وعدد من الرفقاء حين انتقالهم من منطقة «النبعة»، فشكلوا ما يشبه الموقع العسكري الذي كان له فعله في كثير من المناسبات، من بينهم: الأمين بطرس سعادة، الأمين المهندس بشارة باروكي، والرفقاء جوزف كرم، إيلي سعادة، سهاد مرعي وعبد الأحد موسى (أبو رعد)، وكثيرين غيرهم. وتوزع البعض الآخر في منازل لرفقاء، من بينهم الرفيق محمد الحاج وعائلته، مهدي ريدان وعائلته.
الى ذلك تميّزت المصيطبة، ومثلها منطقة جان دارك في رأس بيروت، بأحيائها مناسبة عيد الميلاد في معظم سنوات الحرب اللبنانية، وما يعنيه ذلك من رفع شجرة الميلاد وتزيين الشوارع وتوزيع الهدايا للأطفال في أجواء من الفرح والبهجة والطمأنينة.
من الرفقاء الذين تولوا مسؤولية مدير مديرية المصيطبة الوسطى، اي مديرية المصيطبة الثانية، نذكر الأمناء: محمود خالدي، مصطفى درويش، لبيب ناصيف، عبد المسيح طرزي، بيار معلوف، فارس فياض، عبود آسيو، بطرس سعادة، والرفقاء: سيمون بهنا، أحمد عثمان، أنطون قره بت، فؤاد ايليا حبيب، غابي كبريـال، بهاء طعمة، حسام زلزلي، والياس الراعي،
في السبعينات نشطت الرفيقة سلوى فرح، في منطقة المصيطبة، وبدوره نشط الرفيق شمعون عيسى بعد ان كان غادر القامشلي واستقرّ مقابل سينما ياسمين (شارع الضناوي)، ولاحقاً اقترن من الرفيقة سلوى وغادرا الى السويد حيث يقيمان حالياً. كانت الرفيقة سلوى تولّت مسؤولية منفذ عام بيروت.
النشاط الإذاعي الثقافي
شهد مكتب مديرية المصيطبة في شارع بشير جنبلاط، قبل ان ينتقل الى كورنيش المزرعة، العديد من معارض حرفية ومونة، ومن الندوات الإذاعية العقائدية. من الرفقاء الذين كانت تستضيفهم المديرية في مكتبها في شارع بشير جنبلاط، نذكر: الأمين عبدالله قبرصي، الأمينة هيام محسن، الرفيق الشهيد هنيبعل عطية، الرفيق جان داية. الى ذلك كانت المديرية تحيي المناسبات الحزبية في احتفالات يحضرها المواطنون، وتنظم معارض متنوعة (ارتيزانا، رسوم، مونة، اشغال يدوية وغيرها).
لعل ثانوية «مار ساويريوس»، أكثر مدارس المصيطبة حضوراً للحزب فيها عبر مديرها لسنوات طوال، الأمين عبد المسيح طرزي، والناظر الرفيق مالك مالك، الناشط ايضاً في الكشاف السرياني الارثوذكسي.
صحيح انّ الرفيق الياس سميرة لم ينشط حزبياً في مدرسة مار الياس بطينا، انما كان لحضور المدرّس الأمين هنري حاماتي الأثر البالغ اضافة لعدد من الأساتذة، من بينهم الرفيق جورج صانع والطلاب، من بينهم الرفيق جبران رملاوي وتواجد رفقاء في مدارس أخرى دون ان يقوموا بنشاط حزبي تبعاً لظروف تلك المدرسة.
في مدرسة المصيطبة التابعة لكنيسة مار الياس (المصيطبة) تولى إدارتها الرفيق بهاء طعمة بعد رحيل المدير – المؤسس نقولا حبيب وفي المدرسة المعمدانية درّست لسنوات، الرفيقة (الأمينة حالياً) إخلاص حردان ناصيف، وفي مدرسة «السبتية» الرفيق حبيب الراعي بعد ان أمكنه الانتقال من الشام الى لبنان بعد أحداث المالكي عام 1955.
التعاطي في المكاتب ومع محيطها
أذكر، عندما استفدنا من المدرسة الرسمية في منطقة «طلعة شحادة» مكتباً لمديرية المصيطبة في منفذية بيروت، ولجريدة «البناء» وقد كان ينشط في طوابقها وغرفها العدد الكبير من الرفقاء والمواطنين عمدنا الى تقديم وجبة غذاء يومية، اما وجبات الصباح والمساء فكانت تؤمّن بفضل مساعدات مالية من رفقاء ومواطنين أصدقاء.
بعد فترة من استقرارنا في المدرسة التي تحوّلت الى مكاتب لأكثر من مؤسسة حزبية، والى ما شابه الموقع العسكري، كلّفت رفيقة ورفيقاً كي يزورا العائلات المقيمة في الجوار وان يسألوا كلا من العائلات اذا كانت تعرّضت لايّ تعاطِ مسيء، او هي تتضايق من وجود الرفقاء او من تصرف لأي منهم. كل الأجوبة أتت إيجابية، فقد أجمعت العائلات المقيمة في جوار المدرسة على ارتياحها لتصرف الرفقاء.
رأي العائلات المقيمة في جوار المكتب في شارع بشير جنبلاط كان مماثلاً، ولم نسجّله فقط عبر اتصالات من رفيقات ورفقاء كنا نكلفهم بزيارة العائلات إنما عبر ما تنقله إلينا عائلات رفقاء ومواطنين أصدقاء مقيمة في جوار المكتب الحزبي.
لست هنا في معرض نكء جراحات سابقة، اندملت ونريدها الى الأبد، انما شرح حقبة من تاريخنا الحزبي.
بعد فترة من استقرارنا في المدرسة التي تحوّلت الى مكتب لاكثر من مؤسسة حزبية، والى ما يشبه الموقع العسكري، ومع تصاعد حدة الاستنفار الامني، وجدنا انّ الحاجة باتت تقتضي بان يكون للحزب مكتب في شارع بشير جنبلاط حيث كان يتجمع عدد كبير من رفقاء ومواطنين.
من جهة كان الحزب التقدمي الاشتراكي متواجداً في كلّ من هذه المنطقة، في محيط منزل الأستاذ وليد جنبلاط في منطقة «فرن الحطب» شارع الضناوي، واكثر في منطقة وطى المصيطبة.
وسط شارع بشير جنبلاط كان يقع مكتب في الطابق الاول في بناية على مقربة من ثكنة الحلو، كان رصده الحزب الاشتراكي ووضع خطة لوضع اليد عليه، حتى اذا تمّ له ذلك بسط سيطرته على كامل شارع بشير جنبلاط، وصولاً الى كل منطقة المصيطبة. كنت منفذاً عاماً لبيروت، وبعد التداول مع المسؤولين ورفقاء فاعلين، كلّفتُ المدرب الرفيق عبد الاحد موسى (عرف بـأبو رعد) لتجهيز عدد جيد من الرفقاء المتمرّسين على القتال من أجل الانقضاض على المكتب والسيطرة عليه.
جنّ جنون عناصر الحزب الاشتراكي المقيمين في شارع بشير جنبلاط. استنفروا، فاستنفرنا بدورنا، ووجهت الرفقاء والمواطنين الأصدقاء في فروع الحزب في بيروت الى ان يتردّدوا يومياً الى المكتب فينضمّون الى الرفقاء والمواطنين في المصيطبة من أجل تأمين حضور يومي جيد في المكتب. بحيث كان العدد يتجاوز الخمسين تقريباً، يومياً، مما جعل الحزب التقدمي يعيد حساباته، فيقبل بالأمر الواقع، وهكذا تمكنا من إيجاد مكتب في اكثر الأمكنة الحساسة في المصيطبة، ليقوم بدورين هامين، الاول: عسكري حيث كان يقيم ليلاً 15 الى 20 من رفقاء ومواطنين مسلحين، لفرض الامن والطمأنينة ومنع التعديات، والثاني اذاعي، ثقافي، اجتماعي.
الرفيق إيلي سعاده كان من اكثر الرفقاء الذين كانوا تواجدوا في المكتب، ويسهرون ليلاً وأقاموا علاقات ود واحترام مع المحيط، وهو رافق كلّ النشاطات الاذاعية والثقافية التي كانت تقام، فيحضرها مئات الرفقاء والمواطنين في المصيطبة ومن كلّ أنحاء «بيروت الغربية» في حينه.
الظاهر ما بينام
هذا ما كانت تقوله لي دائماً المواطنة ماري عقيلة الرفيق الراحل سليمان الياس، الذي يقطن في البناية المواجهة لمكتب المديرية.
كانت تستيقظ ليلاً فتجد الرفيق إيلي جالساً الى النافذة، يحتسي القهوة، ونظراته في كلّ مكان.
ساهم مكتب مديرية المصيطبة في شارع بشير جنبلاط في تثبيت الحضور القومي الاجتماعي في المصيطبة. ورغم كلّ الأزمات التي كانت تقع في تلك الحرب المجنونة.
حافظ الرفقاء على حضورهم القومي وفرضوا حضورهم على كامل منطقة المصيطبة. واني، كلما تذكرت تلك المرحلة، أشعر بكثير من التقدير للرفقاء والمواطنين الذين كانوا ينامون في المكتب، او يتواجدون فيه نهاراً او يهرعون في ايّ لحظة اذا حصل ايّ حادث أمني.
لعلّ الرفقاء الذين كانوا «تخرجوا» من «مديرية المصيطبة» وباتوا خارجها في لبنان، او مناطق عبر الحدود، ما زالوا يذكرون جيداً تلك السنوات الحلوة من عمل الحزب في المصيطبة.
الاستشهادية سناء محيدلي
الأهالي في حي «المتني» في المصيطبة عرفوا جيداً الصبية سناء محيدلي حيث كانت تقيم عائلتها، كذلك الأهالي والسكان في شارع بشير جنبلاط، وقد عملت في محلّ لبيع اشرطة الفيديو، للرفيق فؤاد حبيب، والذي كان له الأثر الكبير في تولد القناعة العقائدية لدى الموظفة سناء وبالتالي إقدامها على العملية الاستشهادية والبطولية.
فيه كانت تنسخ فيلم الفيديو الذي ظهر فيه الرفيق الاستشهادي وجدي الصايغ. أثرّ فيها، هي ابنة بلدة «عنقون» الرازحة تحت الاحتلال الاسرائيلي، فقرّرت ان تنفذ عملية استشهادية مماثلة. وفي منطقة «ضهور الشوير» تدرّبت، وبتاريخ 9 نيسان 1985 استقلت سيارة بعد ان تعلّمت قيادتها في فترة قياسية، وعند معبر باتر – جزين ضغطت على الزر، فانفجرت سيارتها ومعها عشرات القتلى والجرحى من الجنود الصهاينة.
جبران عكاوي رفيقاً؟
برز جبران عكاوي في منطقة المصيطبة صحافياً معروفاً، وكان له حضوره في أوساطها، مما شجعه لأن يخوض معركة الانتخابات النيابية منفرداً، وطبعاً لم يحالفه الحظ.
لم يصلني انّ جبران عكاوي انتمى الى الحزب، ولم أعرفه شخصياً، الى أن قرأت في مذكرات الأمين شوقي خيرالله انّ جبران عكاوي كان انتمى في الجامعة الأميركية في أواخر الاربعينات.
اتصلت بالأمين شوقي مستفسراً، فأكد لي انّ جبران كان معهم في المديرية.
أورد ذلك نقلاً عن مذكرات الأمين شوقي خيرالله وبناء لتأكيده لي شخصياً.