مقالات وآراء

«رامات دافيد» في ما لا يفيد…

‬ يوسف صادق

طارت هدهد المقاومة في رحلة جديدة فوق الكيان، واختارت هذه المرة قاعدة رامات دافيد، التي هي من بين القواعد الثلاث التي يملكها جيش الاحتلال لصالح قواته الجوية. تقع هذه القاعدة على بعد 46 كلم من الحدود اللبنانية في منطقة جنوبي شرق حيفا. تكتسب هذه العملية أهمية بالغة بالنسبة للصراع الدائر بين المقاومة اللبنانية من جهة، وبين جيش العدو الإسرائيلي من جهة أخرى.
تضمّ قاعدة رامات دافيد مجموعة من المقاتلات نوع «أف 16»، طائرات نقل نوع «سي 130» والطوافات المقاتلة نوع أباتشي وأخرى متخصصة بالنقل والإنقاذ، إلى جانب طوافات استطلاع بحري نوع بانثر، منظومات حرب إلكترونية هجومية، قبة اتصالات، قبة حديدية، رادار الملاحة الجوية، مركز القيادة والسيطرة، برج المراقبة الرئيسي وما إلى ذلك من منشآت. إلا أنّ ميزة هذه القاعدة الأساسية، من الناحية الجغرافية، تكمن في أنها الوحيدة الواقعة في شمال فلسطين المحتلة. بيّن الفيديو كلّ الصور بجودة عالية. تجدر الإشارة إلى أنه ظهر إلى العلن في الفيديو أيضاً إسم قائد القاعدة وهو العقيد أساف إيشد الذي تسلّم منصبه بتاريخ 26-7-2022.
تمكنت هدهد، هذه المرة أيضاً، من اختراق الأجواء المعادية دون أن تعترضها أيّ منظومة من منظومات مستويات الدفاع الجوي الثلاثة الأساسية ومنظومات باتريوت… لهذه العملية دلالات قد تترجم عسكرياً وسياسياً على حدّ سواء، إذ تزيد الأمور تعقيداً وتترك الباب مفتوحاً أمام عدة خيارات، منها تسريع الوصول إلى وقف لإطلاق النار أو اشتعال أتون الحرب أكــثر فأكــثر إنْ استثمرها نتنياهو في تثبيت ادّعاءاته هو واليمين المتطرف بضرورة العمل على كسر ذراع المقاومة اللبنانية، التي تلحق بالتأكيد الأذى الأكبر في المنشآت العسكرية التابعة لجيش العدو، إلى جانب اليمن الذي دخل المعركة من بابها العريض مستهدفاً عاصمة الكيان المحتلّ بالتزامن مع استمرار التزامه بمنع عبور كلّ السفن المتجهة الى موانئ الكيان عبر البحر الأحمر باب المندب.
عسكرياً، تأتي هذه العملية لتؤكد مرة أخرى هشاشة المنظومات الدفاعية وراداراتها التي لم تستطع كشف هذا التهديد الجوي الذي اخترق الأجواء التي هي منوطة بحمايتها. هذا خرق استعلامي خطير إذ اخذت مُسيّرة الهدهد كلّ الصور المفصّلة التي تحتاجها وعادت بها إلى المقاومة التي بالطبع شرعت بدراستها لتستفيد منها في ما بعد في عمليات حربية محتملة. عبّرت الصحافة الإسرائيلية عن الصدمة الناجمة عن هذا الخرق الاستعلامي بقولها كيف تعرف المقاومة معلومات لا يعرفها إلا قلة؟ أما موقع «إنتل تايمز»، فقد أكد من جهته أنّ في ميزان الحرب النفسية حزب الله هو الرابح. في تحليل سريع لأهداف هذه العملية، يمكننا الوصول إلى عدة استنتاجات مترابطة في ما بينها، تلبّي هذه القاعدة احتياجات الحرب الجوية مع لبنان ففيها ما يلزم من الطائرات لشنّ غارات واسعة النطاق على لبنان. كما أنّ وجودها في الجوار الجغرافي لـ حيفا يجعلها هدفاً قيّماً، وتدميرها أو على الأقلّ إخراجها من الخدمة أمر بديهي في ايّ سيناريو حرب مقبل أو أيّ توسيع للعمليات الحالية. هذه القاعدة تحمي حيفا وتغطي لبنان. فإذا ضُربت بالكامل، يخفّ الضغط عن لبنان ويزداد بالتالي على القواعد الأخرى التي ستكون بالتالي أيضاً مسؤولة عن ميناء حيفا، الذي يقع أيضاً ضمن قائمة أهداف المقاومة إنْ توسّعت الحرب مما يصعّب الأمور أكثر. حاولت القيادة العسكرية تخفيف وطأة الإرباك بتأكيدها انّ هذه المُسيّرة غير مسلحة، إنما ذلك لزوم ما لا يلزم؛ فالإرباك والدهشة سيدا الموقف ويتعاظمان يوماً بعد يوم بفعل المفاجآت التي يتقنها اليمن والمقاومة والعالية الوتيرة والنوعية.
ثانياً، ودائماً في الشقّ العسكري، إنّ تصوير القاعدة جوية سيكون له وقع أشبه بالزلزال إنْ فتحت الجبهة على مصراعيها. أولاً، لأنّ القواعد الجوية هي ثلاث، يعني أنه يتمّ إعطاب ثلث القدرات الجوية، خصوصاً رامات دافيد التي تشكل عقدة جوية بتغطيتها قطاعين إنْ صحّ التعبير. ثانياً، تثبت العملية أن ليس هناك مكان آمن في الكيان وستطال الصواريخ والمُسيّرات الانقضاضية كلّ نقطة فيه وتدمّرها ولو جزئياً.
سياسياً، سبقت هذه العملية النوعية فوق مفخرة من مفاخر القوات الإسرائيلية (وهي القواعد الجوية إذ أنّ سلاح الجو الإسرائيلي هو الأول في الشرق الأوسط دون منازع ومن بين أسلحة الجو الخمسة الأوائل عالمياً) الكلمة التي ألقاها نتنياهو أمام المجلس الشيوخ الأميركي حيث جهد في محاولته لإبراز نجاحات العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي أكان ضدّ المقاومة في لبنان أم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي بات العالم بأسره مدركاً فشلها الذريع وبشهادة ضباط إسرائيليين متقاعدين، أوروبيين، أميركيين ومن كلّ أنحاء العالم تقريباً. يدحض تصوير قاعدة «رامات دافيد» ادّعاءات نتنياهو وتبيّن زيف طروحاته، كما أنها تعزز الضغط عليه وتبيّن ضعف الجيش «الإسرائيلي» المتنامي في جميع الميادين. كيف سيتمكّن من إقناع السياسيين الأميركيين في حين انّ بطولات الجيش الإسرائيلي وملاحمه تركزت على المدنيين. ثم لم يقدّم نتنياهو ايّ جديد، إذ أدلى بما يقوله دائماً لكن بتعابير مختلفة. وصل فشل نتنياهو إلى حدّ أنّ 50% من أعضاء مجلــس الشيوخ الديمقراطيين قاطعوه. يعتبر المحللون السياســيون أنّ الاستقبال والتصفيق وكلّ الحرارة عبارة عن مسرحية فاشــلة لأنّ نتنــياهو يعلم جيداً أنّ كلّ هذه الأبّهة لن تغيّر شيئاً في ميزان قــرارات الرئيــس الأميركي الذي أصبح على مشارف نهاية عهده وانسحب من السباق الرئاسي وسيعود بعد أشــهر قلــيلة إلى منزله. بالــتالي لن تؤمّن لبنيامين نتنياهو موافقة جو بايدن على احتلال رفح والإمعان في تهجير أهلها خارج فلسطين وهذا هدفه الأساسي. أما في ما يخص لبنان، فمن غير الوارد على الإطلاق أن يؤذن له بمهاجمته.
ثانياً تأتي هذه العملية عشية سفر الوفد «الإسرائيلي» المفاوض إلى الدوحة للبحث في موضوع تبادل الأسرى، بعد أن كان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو يناور ويراوغ واضعاً ومعدلاً شروطاً عديدة في محاولة منه لكسب الوقت قبل ذهابه إلى واشنطن إلا أنّ الوقت داهمه ولم يعد يستطيع المماطلة أكثر؛ زادت هذه العملية من منسوب الضغط على الوفد المفاوض ورئيسه، دافيد برنياع، رئيس الموساد الذي من المفترض أن يكون واعياً بما فيه الكفاية لما يعني أن يمسي أمن «إسرائيل» مخروقاً إلى هذا الحدّ، وأن يدرك جيداً الانعكاسات الأمنية والمفاعيل التي تولدها أي عملية أمنية أو عسكرية، فكيف بالحري عملية كهذه فوق قاعدة جوية. يضاف إلى ذلك أنه من المرجح جداً ان يتشارك أعضاء محور المقاومة المعلومات الاستعلامية المهمة للإستفادة منها إلى الحدّ الأقصى ــوليتمكنوا من تنسيق عملهم لتحقيق مكاسب ميدانية لاحقة.
ثالثاً أعادت هذه العملية إلى الواجهة الاختلالات السياسية ضمن معسكر نتنياهو اليميني لأنّ إيتمار بن غفير، قد هدّد من جديد أنه سيخرج من الحكومة التي يرأسها نتنياهو إذا تمّ التوصل إلى اتفاق لا يمكنه دعمه مشدّداً على حرب شاملة ضدّ المقاومة اللبنانية وانّ الإسراع في ذلك أفضل من المماطلة.
في المحصلة، مهما فعل الإسرائيليون فإنّ أمنهم مخروق وباتوا عرضة لمروحة واسعة من الأخطار التي قد تضع مصير الدولة العبرية على المحك. إنهم يحصدون ثمرة ما اقترفوه طوال سنوات وسنوات…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى