التحرك التركي بذريعة حزب العمال والآمال المعقودة
محمد حسن الساعدي
بالتزامن مع الاجتياح الذي تقوم به أنقرة في شمال العراق بذريعة ملاحقة حزب العمال الكردستاني برزت تساؤلات عديدة حول الجدوى والهدف من هذه الحملة، مع وجود الحزب المعارض للنظام التركي منذ عشرات السنين، ولماذا تسعى تركيا الى إعادة السيطرة على الحدود المتوازية بينها وبين العراق وسورية على حدّ سواء، إذ أنّ الهجوم يأتي وسط اتساع العمليات التركية ضدّ أهداف حزب العمال الكردستاني داخل أقليم كردستان مع نقل القوات البرية من منطقة هكاري التركية لتعزيز وتوسيع القواعد والمواقع الاستيطانية التركية في محيط محافظة دهوك.
الجيش التركي بحسب التصريحات قد حقق تقدّماً واستولى على عدد من قمم التلال الاستراتيجية، حيث تؤكد تصريحات قادة الجيش التركي بأنّ هناك شبكة من الأنفاق التي بناها حزب العمال الكردستاني منذ أن بدأت تركيا بنشر طائراتها بدون طيار ضدّهم قد تمّ تشخصيها، ما يجعل من الصعب على حزب العمال الكردستاني الحفاظ على وجوده فوق الأرض كما فعل منذ عقود مضت.
تسعى أنقرة الى فرض سيطرتها الكاملة على حدودها مع العراق بقدر ما تريد مع سورية، حيث تقوم بعمليات عسكرية بصورة متوازية، مع فرض عمليات عسكرية من الجو وعلى نطاق أكثر محدودية، والذي يأتي وسط تهديد الرئيس التركي في الأشهر الأخيرة بشن هجوم كبير من شأنه تطهير حدود إقليم كردستان من حزب العمال مرة واحدة وللأبد، وهذا ما عدّه المسؤولون العراقيون تهديداً لأمن البلاد واستقرارها.
لكن المسؤولين العراقيين عادوا وخففوا من هذه الحملة، وأكدوا أنّ الجيش التركي لا يستطيع القضاء على حزب العمال الكردستاني بالكامل وهو أمر حاول الأتراك مراراً وتكراراً في الماضي وفشلوا في عزل المسلحين والضغط عليهم في معاقلهم الاستراتيجية في سنجار والشرق الأقصى في كركوك وقنديل على الحدود الإيرانية، ومحاولة الجيش التركي غرس الثقة العامة التي من شأنها أن تسمح للحكومة باستئناف محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني والتي تمّ تعليقها في عام 2015.
تأتي هذه العمليات العسكرية التركية وسط تكهّنات في محاولة أردوغان العمل على إعادة مراجعة الدستور، والذي يسعى الى الالتفاف على القواعد التي تمنعه من الترشح لولاية ثالثة عندما تنتهي الولاية الحالية في عام 2028، والذي قد يلجأ الى دعم حزب المساواة والديمقراطية الموالي للأكراد ويأخذ أوامره المباشرة من حزب العمال الكردستاني وهو نفس الادّعاء الذي استخدمه لسجن الآلاف من أعضائه!
زيارة أردوغان الى بغداد في نيسان من العام الحالي والتي تعدّ الأولى له منذ عام 2011 لإجراء مباحثات رسمية مع العراق حول الملف الأمني وملف المياه والتي أسفرت عن تعهّدات للجانب العراقي وعقد اتفاقات في مختلف المجالات ومن ضمنها المياه لعشرة سنوات مقبلة، وكذلك تعاون أنقرة في مشروع طريق التنمية أمر بالغ الأهمية، على الرغم أنّ دولاً عدة في المنطقة تعارضه وترى أنه قد يسبب تراجعاً اقتصادياً لديها، كما هو الشعور لدة الأكراد الذين يعتقدون بأنّ الطريق ستجاوز منطقتهم مما يجعل معبر «إبراهيم الخليل» مع تركيا غير ذات أهمية تذكر. تواصل المباحثات بين بغداد وأنقرة ينسجم مع استراتيجيتها الأوسع المتمثلة في حشد تعاون جيرانها ضد حزب العمال الكردستاني، وهذا ما يفسر جزءاً كبيراً من سياسة أردوغان الدراماتيكية في التعامل مع العراق، وتقرّبه من بغداد وإنهاء الملفات العالقة بينهما…