الرئيس المقاوم العماد إميل لحّود… المثل والمثال
أحمد بهجة
لا غنى عن الرئيس المقاوم العماد إميل لحود، دائماً نستلهم آراءه وأفكاره ومواقفه الوطنية الجريئة البعيدة كلّ البعد عن منطق المساومات والمصالح الذاتية، فقط صلابة وإصرار على جعل مصلحة الوطن فوق أيّ شيء آخر…
ولا يمكن لأحد أن ينكر الإنجازات الكبيرة والمشهودة التي حققها الرئيس لحود خلال مسيرته العسكرية والوطنية الزاخرة، لأنّ هذه الإنجازات لا تزال ماثلة أمامنا إلى اليوم، وفي طليعتها عملية توحيد الجيش اللبناني في مطلع تسعينيات القرن الماضي بعد الانقسام المشؤوم الذي مرّ به خلال فترة الحرب الأهلية، ولم يقتصر الأمر على تعميم الاختلاط الوطني في صفوف الأفواج والقطع العسكرية، من أجل تحقيق الانصهار الوطني المطلوب، بل تمّ التوحيد وإعادة البناء على أسس متينة ومدروسة رسّخت العقيدة الوطنية في المؤسسة العسكرية، ونقلتها من مرحلة التشرذم وتعدّد الولاءات السياسية والطائفية والمذهبية لتصل بها إلى مرحلة الجيش الوطني الذي لا يوالي إلا الوطن ولا يأتمر إلا بأسس القانون والنظام والدولة.
ومرّت على الجيش حين كان لا يزال طريّ العود جملة محطات نجح في تخطيها كلها بفضل القيادة الحكيمة والشجاعة للعماد لحود، الذي دفعته مصلحة الجيش والوطن للوقوف في مواجهة السلطة السياسية في شهر تموز 1993، بعد انتهاء العدوان الصهيوني على لبنان في ما عُرف يومها بعملية «تصفية الحساب»، حين طُلِب منه أن يقوم الجيش بضرب حزب الله، وفي هذا المجال يشدّد الرئيس لحود على ضرورة أن تعرف الأجيال الطالعة حقائق التاريخ، لأنّ التاريخ يدلّ على المستقبل.
لذلك يوضح ويشرح وقائع تلك المرحلة كما هي ويقول: عاد الرئيس رفيق الحريري من دمشق بعد ذلك العدوان الذي استمرّ 7 أيام، وأرسل بطلبي على عجل، وأبلغني بموافقة الدولة السورية على ضرب حزب الله، وقال: عليك أن تنفذ هذه المهمة اعتباراً من يوم غد، مضيفاً انّ المجلس الأعلى للدفاع سيعقد اجتماعاً صباح غد بحضورك، وسيصدر القرار بضرب المسلحين…»
يتابع الرئيس لحود: «على الفور قلت للرئيس الحريري إنّ ضميري لا يسمح لي أن أضرب لبنانيين يريدون العودة الى بيوتهم وإسرائيل تحتلّ أرضهم، فتشوا عن غيري، وإذا كنت تقول إنني مجبر على حضور اجتماع المجلس الأعلى للدفاع أقول لك إنني لن أحضر لأنني لن أكون قائداً للجيش عند انعقاد الاجتماع».
وأشار الرئيس لحود الى أنّ العميد جميل السيد، الذي كان صلة الوصل مع السوريّين، اتصل بي بعد 24 ساعة وطلب مني أن لا أستقيل من قيادة الجيش لأنّ الرئيس حافظ الأسد يريد ان يتعرّف عليّ. وبعد يومين استقبلني الرئيس الأسد وكانت المرة الأولى التي ألتقيه فيها. وفهمت في ذلك الاجتماع أنّ ما قيل لي إنه طلبٌ من القيادة السورية ليس سوى أحاديث غير رسمية بين مسؤولين في لبنان وسورية، وأنّ الرئيس الأسد لم يكن مطلعاً على تلك الأحاديث، وهو لا يوافق مطلقاً على ضرب المقاومة بل ما يريده هو دعمها وتعزيز قوّتها حتى تستكمل تأدية مهمتها لتحرير الأرض وحماية البلد.
وبالفعل لم تمض سنوات قليلة حتى تمكنت المقاومة بفعل التضحيات ودماء الشهداء من تحقيق الهدف وتحرير الأرض وطرد المحتلّ. وقد حدث هذا الإنجاز الكبير في 25 أيار 2000، قبل أسبوعين من وفاة الرئيس حافظ الأسد في 10 حزيران 2000، وكان العماد إميل لحود قد أصبح رئيساً للجمهورية ومعه رئيس الحكومة الوطني من الطراز الأول الدكتور سليم الحص.
كذلك يُسجَّل للرئيس لحود موقفه خلال حرب تموز ـ آب 2006، وهو الموقف الذي منعَ تحويل القرار 1701 إلى وسيلة للالتفاف والاحتيال على ما كانت تقوم به المقاومة في الميدان.
وفي بيان أصدره قبل أيام توضيحاً لما يصدر من كلام في الآونة الأخيرة عن مسؤولين حاليّين وسابقين يتناول القرار 1701 وظروف صدوره وتطبيقه، ويتضمّن تزويراً للحقائق وللتاريخ.
وقال الرئيس لحود في بيانه الأخير: «استدركنا الموضوع حينها ورفضنا انسحاب المقاومة الى ما بعد خطّ الليطاني، علماً أنّ مسؤولين كثيرين كانوا وافقوا على هذا الطرح الاستسلامي (رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ومعه الوزراء الذين يمثلون فريق 14 آذار).
أضاف الرئيس لحود: «بعض المسؤولين حينها كانوا من أزلام أميركا والساعين الى إرضاء كونداليزا رايس، فأتى التطبيق مشوّهاً ومنح العدو الإسرائيلي ما لم يرد في نصّ القرار، ولو على حساب الزجّ بالجيش اللبناني، لكنّ القرار الرئاسي انسجم مع انتصار المقاومة ففرض الحقّ نفسه واضطرّ المتآمرون إلى تعديل القرار من دون التعرّض لسلاحها، وبقيَ الخطأ لاحقاً في التطبيق حيث انتشرت قوات اليونيفيل على الأراضي اللبنانيّة بشكلٍ أحاديّ، في وقتٍ بقيَ العدو يسرح ويمرح ويخرق الأجواء اللبنانيّة، في ظلّ صمتٍ دولي وخنوع بعض اللبنانيّين».
واعتبر الرئيس لحود «إنّ ما شُوّه في التطبيق عوّضته المقاومة في الميدان، فباتت هذه النصوص بلا قيمة أمام إنجازات المقاومين، وإنْ سعى البعض اليوم إلى الاستفادة من التناقضات الداخليّة ليحقّق الثنائي الأميركي الإسرائيلي عبر المفاوضات ما عجزا عن تحقيقه في الميدان».
وأنهى الرئيس لحود بيانه قائلاً: «كفى تزويراً للتاريخ وتشويهاً للحقائق، وكفى إضاعةً للوقت. المقاومة انتصرت، وستنتصر دوماً».
هذه هي المواقف الحاسمة والجريئة التي تحدّد البوصلة بوضوح تامّ، وهي غيض من فيض مواقف الرئيس لحود وهو الوطني المقاوم الصادق إلى أقصى الحدود، ويمثل النموذج الصالح الذي يتمنّى معظم اللبنانيين أن يأتي رئيس مثله للجمهورية يُترجم على أرض الواقع مع المقاومة ومع الوطنيين من أمثاله الانتصار الكبير الذي سيتحقق قريباً جداً للبنان ولمحور المقاومة في المنطقة…