أولى

حكومة نتنياهو بين صفعة أهالي الجولان ومحدودية خياراتها في مواجهة المقاومة

حسن حردان

أثار سقوط صاروخ على ملعب رياضي في بلدة مجدل شمس في المنطقة المحتلة من الجولان السوري، والتسبّب بوقوع ضحايا وجرحى من أطفال وشباب البلدة، آثار التساؤلات حول مسؤولية العدو الصهيوني، لا سيما أنّ جيش الاحتلال الصهيوني حاول سريعاً فور حصول الحادث إلى اتهام المقاومة في لبنان بإطلاق هذا الصاروخ، لإبعاد التهمة عن جيشه بالتسبّب بمجزرة ذهب ضحيتها 12 من المدنيين، فيما المسؤولون الصهاينة في حكومة بنيامين نتنياهو تناوبوا على إطلاق التصريحات التي تهدّد وتتوعّد بالردّ وتدفيع المقاومة ثمناً كبيراً!
والسؤال، ما دامت المؤشرات تؤكد مسؤولية العدو عن حصول هذه المجزرة، فما هي أهدافه من وراء محاولته تحميل المقاومة المسؤولية؟
أولاً، انّ المقاومة لم تعلن في ايّ بيان لها، يوم سقوط الصاروخ في مجدل شمس، انها قصفت مواقع صهيونية في الجولان المحتل، وهي أعلنت في بيان نفي مسؤوليتها عن إطلاق هذا الصاروخ، وتاريخ المقاومة يؤكد بأنها عندما يحصل ايّ خطأ من قبلها تسارع الى الاعتراف به والاعتذار، وهو ما قامت به عندما أدّت بعض صواريخ المقاومة في حرب تموز عام 2006 إلى إيقاع إصابات في صفوف المواطنين الفلسطينيين في شمال فلسطين المحتلة.
ثانياً، انّ الاحتمالات تشير إلى أنّ العدو هو وحده المسؤول عما حصل:
فاحتمال ان يكون الصاروخ الذي سقط في مجدل شمس، صاروخ صهيوني اعتراضي أخطأ اتجاهه، كما حصل في عدة مرات خلال الأشهر العشرة الماضية من حرب الاستنزاف التي بدأتها المقاومة إسناداً لغزة ومقاومتها، والتي كان آخرها في 20 الشهر الجاري حيث أدّى أحد صواريخ القبة الحديدية إلى السقوط خطأ على جنود الاحتلال وإصابة جنديين بجراح.
أما الاحتمال الآخر فهو ان يكون العدو الصهيوني تعمد إطلاق هذا الصاروخ، وارتكاب هذه الجريمة والمسارعة إلى التملص من مسؤوليته عنها، والعمل على تحويل الأنظار نحو تلفيق الاتهام للمقاومة بالمسؤولية عن حصولها، انطلاقاً من تحقيق أجراه حول سقوط الصاروخ.. وزعم فيه انّ الصاروخ أطلقه حزب الله.. وذلك في محاولة لتحقيق جملة من الأهداف الخبيثة:
الهدف الأول، تحويل الانظار عن المجازر الوحشية التي يرتكبها العدو يومياً ضدّ النساء والأطفال والشيوخ في قطاع غزة، والعمل على محاولة تشويه صورة المقاومة لدى المواطنين السوريين في الجولان المحتلّ بغية إثارة الفتنة ضدّ المقاومة لإشغالها عن مواصلة حرب استنزاف الكيان في شمال فلسطين المحتلة.. وبالتالي إرباك المقاومة بما يضعف من جهودها مواصلة حرب الاستنزاف دعما واستادا لغزة ومقاومتها.
الهدف الثاني، القيام بحرب نفسية ضدّ لبنان واللبنانيين، من خلال إطلاق التهديدات بضرب لبنان بقوة، بغية خلق مناخ يضغط على المقاومة لتخفيف ضغطها العسكري ضدّ كيان العدو، وصولاً إلى تهدئة الجبهة في جنوب لبنان، وهو ما حاولت حكومة العدو تحقيقه عبر رسالة أرسلتها بوساطة قيادة قوات اليونيفيل في لبنان، لكن ردّ المقاومة على مثل هذه التهديدات كان حازماً في أنها ستردّ بقوة أكبر على أيّ توسيع للعدوان الصهيوني.
الهدف الثالث، إظهار كيان العدو بمظهر المدافع عن المواطنين السوريين في الجولان المحتل، ومحاولة استمالتهم إلى صفه في مواجهة المقاومة المعروفة بعلاقتها الاستراتيجية مع القيادة السورية، وبالتالي احتواء معارضتهم ومقاومتهم المستمرة للمخططات الصهيونية لتهويد الجولان ومحاولات فرض الهوية الإسرائيلية عليهم بديلاً عن تمسكهم بهويتهم العربية.
لكن مثل هذه المحاولة الصهيونية الخبيثة، لاستغلال دماء أبناء مجدل شمس، ردّ عليها أهالي الجولان، كعادتهم، بتوجيه صفعة للمسؤولين والضباط الصهاينة الذين أتوا لحضور تشييع الضحايا… حيث قاموا بطردهم والقول لهم: “أنتم قتلة وجئتم للرقص على دماء أبنائنا”.
لكن ماذا عن التهديدات الإسرائيلية للبنان بتوسيع العدوان؟
انّ تهديدات قادة العدو بتوسيع عدوانهم ضدّ لبنان عبر القيام بما أسموه بردّ قاس، او التذرّع بما حصل للقيام بشن حرب واسعة، لإبعاد الأنظار عن مأزق فشلهم العسكري في قطاع غزة واستمرار عجزهم عن تحقيق أهداف حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني ومقاومته، إنّ هذه التهديدات سرعان ما أعادت استحضار الخيارات الصعبة التي تواجه قادة العدو، مما سيجبرهم على ابتلاع تهديداتهم بعد أن يدركوا مجدداً حدود قدرتهم على تنفيذها انطلاقاً من معادلة الردع التي تفرضها قدرات المقاومة:
الخيار الأول، إذا قام قادة العدو بأيّ توسيع لعدوانهم على لبنان، فإنّ عليهم أيضاً انتظار ردّ حزب الله بالمثل، إذا لم يكن أقوى، على ايّ استهداف صهيوني للضاحية الجنوبية او ايّ مدينة في الجنوب او البقاع، او ايّ استهداف لبنى تحتية لبنانية، وسيكون عندها كيان الاحتلال أمام احتمالات مواجهة قيام المقاومة بقصف مواقع حيوية وحساسة في حيفا أو في مناطق وسط فلسطين المحتلة، وتداعيات ذلك على الأمن الصهيوني، ونزوح المستوطنين من هذه المناطق وتفاقم أزمة الكيان.. لا سيما أنّ قائد المقاومة طالما حذر كيان العدو قائلاً، إذا وسع العدو عدوانه سنوسّع… وما قامت به مُسيّرة هدهد، واحد واثنين وثلاثة، من مسح دقيق لكلّ المواقع الحيوية في فلسطين المحتلة، وكشفت المقاومة عن أجزاء منه، حدّد بدقة الأهداف التي ستقصفها المقاومة في حال تجرّأ قادة العدو على تنفيذ تهديداتهم…
الخيار الثاني، إدراك قادة العدو، انّ جيش الاحتلال، الغارق في حرب استنزاف في قطاع غزة، والذي يعاني أيضا من نقص في العديد والعتاد وإنهاك وضعف في المعنويات، غير جاهز للذهاب إلى حرب واسعة مع المقاومة في لبنان، لها كلفة عالية جداً على كيانهم، لما تملكه المقاومة من قدرات نوعية تستطيع إلحاق خسائر جسيمة في كل المواقع الحيوية والحساسة الصهيونية العسكرية والاقتصادية ومنشآت البنى التحتية الإسرائيلية.
انطلاقاً من ذلك يمكن القول:
1 ـ إنّ الرؤوس الحامية لدى قادة العدو سرعان ما ستبرد عندما يقلبون الخيارات المذكورة ويجدون انهم إذا سلكوا ايّ واحد منها سترتدّ على كيانهم بمزيد من التأزم وتفاقم مأزق فشلهم في استعادة قوة الردع واستطراداً الفشل في حماية أمن الكيان من صواريخ ومُسيّرات المقاومة، التي شهد حتى الآن بعضاً من قدراتها.
2 ـ انّ محاولة العدو استغلال دماء أبناء مجدل شمس التي تسبّب بها، سرعان ما فشلت بفضل وعي أهالي الجولان الذين خبروا وعرفوا مكائد العدو الفتنوية، وعدم تردّده في ارتكاب الجرائم والمجازر الوحشية ضدّ المدنيّين في غزة ولبنان لتنفيذ مخططاته..
في كلّ الأحوال، إنّ مأزق العدو سيتفاقم، في حال إقدامه على سلوك ايّ خيار، بفعل قدرات المقاومة الردعية التي وضعت القادة الصهاينة مجدًداً أمام محدودية خياراتهم.. وهو ما عكسه اتخاذ قيادات في هيئة الأركان الإسرائيلية موقفاً معارضاً لمهاجمة البنى التحتية في لبنان حسب ما ذكرت القناة 14 الإسرائيلية، على أنّ اتجاه حكومة العدو إلى تنفيذ عدوان محدود يستهدف قيادات للمقاومة او مواقع لحزب الله في الضاحية الجنوبية، سيواجَه بردّ قوي أكثر شدة من قبل المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى