أولى

نحو حكومة وحدة لاستكمال تحرير فلسطين وبناء دولتها

د. عصام نعمان*

ثلاثة أسئلة تبحث اليوم عن أجوبة في المشرق العربي:
*ما حال قوى المقاومة الفلسطينية والعربية، وماذا يقتضي أن تقوم به حاضراً ومستقبلاً في مواجهة كيان الاحتلال الإسرائيلي وحليفته الدائمة الولايات المتحدة الأميركية؟
*ما حال كيان الاحتلال الإسرائيلي، وما هي مراميه حاضراً ومستقبلاً في مواجهة قوى المقاومة الفلسطينية والعربية، لا سيما عند تعاونه مع حليفته الولايات المتحدة ومنظومة الغرب الأطلسي؟
*كيف يمكن توسيع دور محور المقاومة في الصراع ضدّ العدو الصهيونيّ وحلفائه؟
في الجواب عن السؤال الأول تجدر الإضاءة على واقعات وتطلعات في مسار طوفان الأقصى نجح خلالها في تحقيق إنجازات خمسة:
*إطلاق صحوة فلسطينية وعربية عامة بعد طول سبات.
*إحياء وتصعيد مقاومةٍ فاعلة للاحتلال الإسرائيلي في كامل فلسطين التاريخية.
*توليف إسناد قتاليّ فاعل للمقاومة الفلسطينية من لبنان واليمن والعراق.
*انطلاق حملة تنديد عالمية بعدوانية “إسرائيل” الفاجرة واحتلالها لفلسطين.
*استكمال الجهود الناشطة للتوصّل الى مصالحة بين الفصائل الفاعلة في المقاومة الفلسطينية واتجاهها الى إقامة حكومة وحدة وطنية.
في الجواب عن السؤال الثاني تتضح حقيقة صارخة بأنّ “إسرائيل” ردّت وتردّ على تفعيل نضال قوى المقاومة الفلسطينية والعربية بحرب إبادةٍ وحملة استيطانية واسعة ترمي الى تحقيق أغراض خمسة:
*تدمير حركة حماس وسائر فصائل المقاومة الناشطة في قطاع غزة.
*تحويل قطاع غزة الى أرض يباب غير صالحة للحياة.
*الحؤول دون عودة حركة حماس إلى حكم قطاع غزة.
*وضع قطاع غزة تحت وصاية دولية وبإدارة قوات أمميّة.
*رفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة بتسريع حملة الاستيطان تمهيداً لإعلان ضمّ الضفة الغربية لكيان الاحتلال.
في الجواب عن السؤال الثالث لا يمكن إعطاء تصوّرات واقتراحات متكاملة قبل انتهاء مرحلة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وتسلّم الرئيس الجديد المنتخَب سلطاته في مطلع شهر كانون الثاني/ يناير 2025، غير أنه يمكن الإفادة من إنجاز جلل تمّ أخيراً بهمةٍ مشكورة من الصين إذ أمكن التوصل الى تحقيق مصالحة بين 14 فصيلاً من المقاومة الفلسطينية وتوافقها على إقامة حكومة وحدة وطنية. في هذا المجال تجب المبادرة بلا إبطاء الى بذل كل الجهود اللازمة لتضمّ هذه الحكومة ممثلين مقتدرين للفصائل المتوافقة بغية رسم وتنفيذ مسار وطني وعروبي ثوري بأهدافٍ ثلاثة متكاملة: تحرير فلسطين نهجاً وممارسةً؛ عدم الفصل في نهج التحرير بين العمل المقاوم والعمل السياسي؛ ووضع الأسس والقواعد وتحديد التوقيت المناسب لبناء دولة فلسطين المستقلة.
لا مغالاة في القول إنّ تأليف حكومة وحدة وطنية فاعلة هو شرط وتعبير عن قيام قيادة عليا للمقاومة الفلسطينية كما هو شرط لتفعيل مواجهة تحديات ثلاثة خطيرة تهدّد الشعب الفلسطيني في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور:
*إقرار قانون في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، عشية سفر بنيامين نتنياهو الى الولايات المتحدة، يقضي برفض إقامة دولة فلسطينية الى الغرب من نهر الأردن، وذلك بأكثرية ساحقة بغية تمكين نتنياهو من إقناع الحزبين الديمقراطي والجمهوري بأنّ ثمة إجماعاً لدى اليهود في “إسرائيل” والعالم على رفض ما كان قد لمّح اليه الرئيس جو بايدن بشأن إقامة دولة فلسطينية، وذلك في سياق دعوته الى وقف الحرب في قطاع غزة من جهة، ومن جهةٍ أخرى محاولة استرضاء الدول العربية المؤيدة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تتولى، ظاهراً، إدارة حكم ذاتي في بعض مناطق الضفة الغربية.
*قيام حكومة نتنياهو في الآونة الأخيرة باتخاذ سلسلة قرارات تهدف الى إضعاف السلطة الفلسطينية (محمود عباس) التي أبدت استعداداً لتولي حكم قطاع غزة بعد وقف الحرب. وقد شملت هذه القرارات زيادة الحسومات من أموال الضرائب التي تجمعها “إسرائيل” شهرياً لتحويلها الى الفلسطينيين. وتمّ تمرير مشروع قانون يسمح لـِ “ضحايا” المقاومة الإسرائيليين بمقاضاة السلطة الفلسطينية للحصول على تعويضات مالية منها، كما جرت محاولات لقطع العلاقات بين البنوك الإسرائيلية والبنوك الفلسطينية، وتمّ منع دخول العمال الفلسطينيين الذين يعملون في قطاع البناء الى “إسرائيل”، وجرت قوننة البؤر الاستيطانية والمستوطنات، كما قرّرت الحكومة الإسرائيلية سحب الصلاحيات من السلطة الفلسطينية في مناطق الفئة B المحمية بموجب اتفاقات أوسلو.
*إقرار بعض معارضي نتنياهو بأن هذا الأخير يراهن على انتخاب دونالد ترامب رئيساً ليقوم تالياً بإغرائه بقبول وقف حرب الإبادة في قطاع غزة مقابل موافقة الولايات المتحدة على تعويض “اسرائيل” بضمّ الضفة الغربية إليها.
إزاء هذه التحديات الخطيرة وما يمكن أن ينجم عنها من تداعيات مدمّرة بات من الضروري التحوّط والتحسّب لمواجهتها وذلك بالتعجيل في تأليف حكومة الوحدة الوطنية المرجوّة لتتولى معالجة الجوانب السياسية للصراع. ذلك أنه من المحتمل جداً ان تبقى مسألة إقامة دولة فلسطينية واردة سواء كان الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية من الحزب الديمقراطي او من الحزب الجمهوري. فالرئيس بايدن كما نائبته كمالا هاريس التي قد تخلفه في البيت الأبيض يؤيدان هذا الخيار. أما ترامب فالأرجح ألاّ يكون مؤيداً لكيان الاحتلال بمثل الضراوة التي كان عليها في رئاسته الماضية، ولا يستبعد بعض المقرّبين منه ان يعتمد هو الآخر خيار الدولة الفلسطينية كأساس لصفقة قرن أخرى تكون علامة فارقة لولايته الجديدة.
غير أنّ المسألة الأهمّ في المستقبل القريب هي الجهة التي ستحكم قطاع غزة بعد وقف الحرب. “إسرائيل” لا توافق على عودة حماس الى إدارة القطاع، والفلسطينيون أعلنوا مراراً وتكراراً أنه لا يمكن القبول بأيّ سلطة حاكمة في القطاع إلاّ برضى أهل القطاع أنفسهم. بعض السياسيين الإسرائيليين دعوا الى تسليم إدارة القطاع الى السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس. بعضهم الآخر رفض ذلك بدعوى أنّ حكومة محمود عباس نشطت في الآونة الأخيرة لإقناع المزيد من دول العالم للاعتراف بدولة فلسطين التي تعترف بها الأمم المتحدة، وهو أمر ترفضه “إسرائيل” إلاّ إذا تمّ، بحسب ادّعائها، نتيجةَ مفاوضات تجري معها.
صحيح أنه يقتضي أن تتمسك فصائل المقاومة الفلسطينية دائماً بمطلب تحرير فلسطين من النهر الى البحر وبعودة شعب فلسطين الى وطنـه المحرر بلا قيد ولا شرط. لكن التحرير لن يتمّ قريباً ولا على نحوٍ يشمل فلسطين التاريخية كلها بفعل قوةٍ واحدة او حدثٍ واحد او بإجراء وحيد، بمعنى انّ التحرير سيتحقق تدريجاً وعلى مراحل الأمر الذي يتطلّب اتخاذ قرارات سياسية لهذه الغاية ويستوجب وجود حكومة وطنية تستطيع اتخاذ القرار المناسب. هذا مع العلم أنّ اتخاذ قرار بإقامة دولة على قسم من فلسطين وليس كلها لا يمنع الحكومة التي تتخذ القرار من التحفّظ بالإعلان أنّ مصير فلسطين، كل فلسطين، هو من حق وصلاحية الشعب الفلسطيني وحده في كلّ الظروف ومهما طال الزمن.

*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى