دبوس
المثليّة المستحبّة والتحجّب المستنكر…!
واحد من أهمّ أركان الفكر الإسلامي هو الاعتراف بالقصور الإنساني، وأنّ تلك الرحلة العمريّة الإنسانية مفعَمة بالقتال الصارم للنواقص في الذات الإنسانية، حتى ترتقي بهذه الذات الى مراتب تؤهّلها لخلافة الله في الأرض، «يا بني آدم إنك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه»، فهذا الوجود المادي المترتّب على الخلق هو بالطبيعة وجود قابض ينحو بالفطرة نحو الاكتناز والتكدّس، وديدَن الإسلام لهذا الوجود المادي، هو الانسجام ميكانيكيّاً مع الانبثاقة الكونية المذكورة في رائعة الفتق والرّتق قرآنياً، والانفجار الكبير The Big Bang في نظريات الوجود العلمية الإنسانية، والهدف الرباني في ما أرى هو الحدّ من غلواء تكدّس المادة، بل انّ الهدف من التواجد المادي للإنسان في مرحلة الحياة الدنيا هو خلق ذات موضوعية بقيادة العقل والفطرة الإنسانية في جانبها الخيّر حتى تأتي اللحظة الحرجة حينما يقذف بكلا الوجودين، المادي والموضوعي للإنسان في اتجاهين متعارضين، أحدهما إلى باطن الأرض، والآخر بعيداً عن المركز الى البرزخ ثم الحساب، ثم الحياة الأخرى الخالدة، إذ أن الزمن والمادة نقيضان يلغي أحدهما الآخر ويترتّب على الزوال المادي خلود موضوعي…
أما في الخزعبلات الغربية، وما يُدعى في بعض الفلسفات الشعبوية العشوائية الضحلة، فإنّ قتال الذات هو مكرهة ومضيعة للطاقة والوقت، والأوْلى هو الانصياع الكلّي للذات القابضة اللاهية العابثة، فأنت كما أنت، وليس كما يجب ان تكون،
يحضرني هذا مرة أخرى وأنا ألحظ في أولمبياد باريس، عاصمة النور والجمال، الكيفية التي تتعامل بها المنظومة الثقافية الفكرية مع حالتين، حالة المثليين، ثمّ حالة الرياضيات المحجبات، قبول كلّي وترحيب واحتفائيةً مع الوجود المثلي، ونقض ورفض للقبول بظاهرة التحجب في عالم الرياضة، المثلية هي إحدى حالات القصور الإنساني الشاذ، وهي ليست جينية، بل هي نقيصة تستدعي قتالها وعدم القبول بها من دون معركة في داخل الذات، وطوبى لأولئك المنتصرين في هذه المعركة الأخلاقية، أما مسألة الرياضيات المتحجبات، فيبدو أننا عشنا رجباً، لنرى عجباً، فيصبح التعرّي وإظهار المفاتن على الملأ فضيلةً ومدعاةً للافتخار، ويصبح التحشّم والتمنّع عن إظهار التكوّرات الجسدية المفتنة والمستدعية للغريزية والرغائبية الى كلّ العامة، رذيلة ونقيصة يعاقب عليها الانسان!
فوضى وعشوائية وشعوبية مارقة، هي بمثابة انهيار جذبي للمادة، يترتب عليها في باريس ثقوب سوداء تدبّ على قدمين، والعاقبة ستبقى لكلمة الله في الأرض، وليس لتهافت المتهافتين…
سميح التايه