مقالات وآراء

أَ أَمينٌ كلّه مات…؟

‬ فاطمة جيرودية

وقوفاً في حرمِ روحك الشهيدة سيدي العميد.. أَ أمينٌ كلّه مات!
في غرفة الأخبار… أنت تستنفر كجندي،
في أصعب أوقات الحرب على سورية.. طوال الليل والنهار.. كان الأمين يردّد كلمة واحدة:
«طبعاً جاهز… فوراً”،
هجومٌ للمجموعات الإرهابية المسلحة.. مجازرُ في المدنيين.. داعش تحتلّ الرقة.. مشاهدُ ذبح أبنائنا وجنودنا تُحاصِرُنا.. عدوان إسرائيلي.. شهداء العدوان..
قذائف الهاون تحصدُ أرواحَنا.. كلّ الكون انقضَّ علينا وأغلبُ قرى ومدن سوريتنا فجأة صارت مُهدّدةً بالسواد.. وأظْلَمّتْ في قلوبنا الحياة!
ولكن كيفَ يمكن لظلامِ الدنيا كلّها أن تُطبق وحشتُه على منْ هبّ له المخلَصون يؤنسون وحشةَ الدروب،
على الكونِ كلّه أن يعرفَ اليوم أنه ساعةَ امتشقَ روحه،
وطوى مخاطرَ الدروبِ من لبنان إلى سورية يدافعُ عنها.. حاضراً على كلّ جبهاتِ الحقيقة كان هناك الكثيرون من أبناءِ سورية نفسها قد احتموا بهوامشِ الهوامش.. ولم يجرؤوا على قول كلمة حق تدفعُ الضّرّ عن بلدهم.. كانت الساحةُ وقتها عصيبة ولم يلبِّها سوى الفرسانُ الأشداء في بلادِنا.. والأمين في صفوفهمُ الأولى!
كنّأ نعلمُ أننا نملك ليلَه ونهارَه.. صحوَه ومنامه.. نعرفُ أنه بإمكاننا إيقاظُه في أيّ ساعة.. لأنه العميد الذي لم يخلع رتبه العسكرية وعقيدته الوطنية من قلبه عندما تقاعد…
عدوان.. تفجير.. استهداف.. شهداء بالعشرات.. دمشق تنهال عليها عشرات قذائف الهاون.. الرقة والفرقة السابعة عشر… العدوان الخماسي… أميركا تقصفُ دمشق…
لكنّ العميد الأمين.. يضحكُ في وجه حصار دمشق.. يقول من بيروت.. سورية لن تنكسر… علّمنا بالنظرية والفرضية والمعادلة كيف يقول الميدانُ كلمتَه،
تحرير تدمر.. تحرير حمص.. حصار مطار كويرس.. عدَدنا الكيلومترات معاً على وقع خطا الجيش العربي السوري وهو يفكّ الحصار عن كويرس..
سيادة العميد:
ما الذي يعنيه عسكرياً أن يحرر الجيش العربي السوري مطار كويرس، سجن حلب، تدمر، حمص؟
سيادة العميد:
ماذا يقصده السيد الرئيس بشار الأسد بأنّ ما بعد حلب ليس كما قبلها؟
سيادة العميد:
كيف تقرأ تحرير الغوطة اليوم؟ كيف ينظر العدوّ لتحرير درعا اليوم…؟
عشرات بل مئات الحوادث والذكريات
وهو:
«طبعاً جاهز… فوراً”،
«لا تسألوني.. لا تراجعوني.. أنا معكن بكلّ وقت.. بأي وقت أنا لسورية”،
تُهرعُ مديرةُ الإعلام الحربي في التلفزيون السيدة ميسون يوسف وهي تنادي بصوت عال قبل أن تصل إلى استوديو الأخبار المستنفر لحدثٍ جلل:
ـ جاهز معنا.. أمين حطيط!
نعم يا سيادة الأمين.. جاهز معنا.. وفي كلّ صورة تطلع فيها تقول:
«سورية.. الآن فلسطين»
لن أنسى ضحكتك المهيبة وأنت تقودُ ملف ترسيم الحدود.. قبل الهواء سألتُك:
ـ سيادة العميد بدا توقّع إسرائيل»؟!
ـ مش على كيفها، غصباً عنها!
ضحكَ العميد.. لكن العميد يضحك بمهابة.. قال بحزم:
ـ أصلا اسمها الحدود اللبنانية الفلسطينية.. هيدا مش بحر “إسرائيل”، هيدا بحر فلسطين!
ويقولُ ليَ العميد.. أنتِ روحِك عالية.. خليكي هيك!
ولكن يا سيدي: بينفع هيك!؟
ألن تنتظرَ قليلاً حتى تكتبَ براحتيكَ الثابتتين على الملف:
الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية؟!
يا سيدي مهلاً فإنّ الروح لا تعي أنك كنت منذوراً لتزيلَ الوحشةَ وتثبّتَ القلوب ثم ترحل!
هل حقاً أيها الأمينُ أنك قد حاصرتَ حصارَ بلادي بضحكتك وثباتك.. ثم هكذا.. ببساطة رحلت!؟
أ َأمينٌ كلُّه رحل!؟
صرختُ أناديك بروحي بصوتِ كلّ سوريّ كفكفتَ دمعه يوماً وشددت على زنده ليثبت:
ـ مهلاً سيادةَ العميد!
وأجبت مودّعاً بمهابتك المعتادة:
ـ بل سلام!
سيدي الأمين.. سيادةَ المنذورِ المهيبِ وداعُه.. الجليلِ فراقُه:
إننا ندرك الآن أنّ عظماء المنذورين أمثالك.. يصنعون لحظاتِ غيابِهم بتأنّ عظيم..
المكان الذي كنت فيه: “طبعاً جاهز.. فوراً” يناديك.. يسلم عليك.. يبكيك ويئن لغيابك!
لن تنساك سورية التي أحببتها.. ونعدُك.. أن نذكرَ في التحرير أنّ سيادة العميد أمين حطيط قد رسّخ في ذاكرة البحر وقت الترسيم أنّ هذه الحدود لبنانية ـ فلسطينية…
بقي علينا أن نعرف حقاً بأنّ أمثالك لا يترجّلون.. بل يعرجون شهداء.. يصنعون استشهادهم نذراً عظيماً تعرفه الأرض والسماء!
ففي أيّ أرضٍ عرجت.. وحيثُ ترقدُ روحك الطهور
أُقرؤك مني ومن سورية العهدَ والسلام حيث اتسعَ بيتُ عزائك بحجم وطن:
نَم إنّ قلبي فوق مهدِكَ كلّما
ذُكرَ الهوى، صلّى عليك وسلّما
نَم فالملائكُ عينُها يقظى، فذا
يرعاكَ مبتسِماً وذا مترنّما

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى