أولى

مفترق طريق…

 سعادة مصطفى أرشيد*

في حين أن الحرب لا زالت تستعر في غزة إلا أنها أخذت مؤخراً تمتدّ وتطل برأسها احتمالاتُ توسعها، فقد قصفت «إسرائيل» ميناء الحديدة على البحر الأحمر، واتخذ الكنيست قرارات بشطب حل الدولتين غرب نهر الأردن، وقام نتنياهو برحلته الأولى اثناء الحرب الى واشنطن، ثم جاء حادث مجدل شمس الذي ذهب ضحيته عدد من الأطفال بصاروخ إسرائيلي فيما وجّهت حكومة الاحتلال الاتهام للمقاومة اللبنانية أما مساء أول من أمس، فقد قامت «إسرائيل» بقصف الضاحية الجنوبية لبيروت واغتالت قياديّاً من الدرجة الأولى في المقاومة اللبنانية ـ وصولاً إلى ذروتها فجر أمس، باغتيال رئيس مكتب حماس السياسي في شمال طهران، حيث المربع الأكثر حماية أمنية وأهمية سياسية في إيران والذي تقع فيه السفارات والوزارات ومكتب المرشد.
تريد «إسرائيل» القول إنها لا زالت قوية برغم تمرّغ جيشها في أوحال غزة وعجزه عن وقف هجمات المقاومة اللبنانية في الجليل. إنه يقول إن يده الطويلة قادرة على أن تصل إلى أي مكان سواء في الضاحية الجنوبية أو في شمال طهران وتريد أن تستنفد الصبر الاستراتيجي لكل من الجمهورية الإسلامية والمقاومة اللبنانية.
كانت الجمهورية الإسلامية في السابق قد أبدت التزاماً عالياً بصبرها الاستراتيجي وكانت تصدر عنها بيانات نمطية من نوع أن الجريمة لن تمرّ من دون عقاب وأن الردّ سيأتي في الزمان المناسب والمكان المناسب حتى جاءت ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق والتي ردّت عليها إيران بمسيّراتها وصواريخها وكأنها تقول إن صبرها الاستراتيجي أخذ في النفاد وأنها تملك قوة رادعة قادرة على ضرب القلب من دولة الاحتلال. ثم حادثة اغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وما شابها من غموض.
إمعان «إسرائيل» وتطاولها يعبّر ولا بدّ عن رغبتها في الحرب وترى بعض وجهات النظر الاستراتيجية وهي القريبة من وجهة نظر رئيس الحكومة أن على «إسرائيل» التحضير من الآن لعودة دونالد ترامب للبيت الأبيض مراهنة على أن فوزه في الانتخابات أمر أكيد وهو الذي كان قد ألغى الاتفاق النووي الذي عقدته إدارة أوباما – بايدن مع طهران، كما أنه من أنصار الاشتباك مع الجمهورية الإسلامية وفي هذه الحالة فلن يحتاج الرئيس الأميركي العائد بهياج ملحوظ إلى جهد كبير لإقناعه بضرب إيران مباشرة باعتبارها رأس الأفعى بدلاً من ضرب أذرعها.
تفترض دولة الاحتلال أن أمام طهران أحد خيارين في مواجهات ما حدث فجر أمس في طهران.
الأول أن لا تردّ إيران على اغتيال إسماعيل هنية وتقبل بالرسائل الأميركية القائلة إن هذه الضربة عابرة وإن من الممكن تجاوزها وإن الرد على دولة الاحتلال سيدعم فرص نجاح التطرّف ضد إيران في الانتخابات الأميركية، وبالتالي فإن لديها فرصة للردّ بشكل استعراضيّ محدود كما حصل عقب سرقة الوثائق من قلب طهران وضرب مشاريع الصواريخ وبعض المفاعلات، كما في اغتيال العلماء وصولاً إلى اغتيال أيقونة الحرس الثوري وصاحب نظرية التمدّد الخارجي للسياسة الإيرانية الجنرال قاسم سليماني.
الثاني أن إيران قد فهمت الرسالة الإسرائيلية القائلة إن لا أحد في الجمهورية الإسلامية لا تستطيع اليد الإسرائيلية الوصول إليه بما في ذلك المرشد، وبالتالي فإن إيران ستردّ بقوة، ولكن وحسب ما يرى العقل الإسرائيلي أن هذه الردود ستعترضها وهي في طريقها إلى فلسطين المحتلة القوة الأميركية والتحالف الأميركي من غرب وعرب، وقد ينتج عن ذلك حرب إيرانية لا على «إسرائيل» فحسب، وإنما على كل من شارك في اعتراض الرد الإيراني من صواريخ وطائرات مُسيّرة.
يبدو من حجم وطريقة الهجوم الإسرائيلي الواسع في الحديدة في اليمن أو في الضاحية الجنوبية لبيروت أو في اغتيال رئيس مكتب حماس السياسي في طهران أنه يضع محور المقاومة أمام امتحان صعب ومفترق طريق لا بدّ من اختيار أحد اتجاهين والتأخّر في الردّ من شأنه أن يستنزف أعصاب الإسرائيليين أكثر من الردّ السريع والانفعالي.
إنها حرب طويلة ومعركة ضارية تقع فيها الخسائر والاختراقات لجانبيها ولا توجد حرب حقيقية بين أقوياء إلا ودخلت في كر وفر، وجولات تقدّم وتراجع.
وقد كان في تقدير الجنرال الإسرائيلي عاموس يادلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق أن الرد مقبل وقاسٍ سواء من لبنان أو من طهران، وإذا كان الإسرائيلي سيضحك لبعض الوقت على ما أنجزه في الصباح فإنه سيدفع الثمن ويبكي كثيراً في المساء.
والصباح رباح وبالانتظار.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى