افتتاحية الألعاب الأولمبية 2024 في باريس محاولة نيوليبرالية استفزازية فاشلة
نور خنيصر
شهد العالم في الأسابيع الماضية ردة فعل غاضبة وواسعة اعتراضاً على بعض ما جاء في افتتاحيّة دورة الألعاب الأولمبية 2024 في العاصمة الفرنسية باريس، حيث شهدت الافتتاحية عرضاً مشوّهاً وساخراً من «العشاء الأخير للسيد المسيح وتلاميذه».
حاول منظمو الاحتفال وبشكل مقصود إعادة «المشاهد النيوليبرالية» إلى الساحة وإلى أبصار المشاهدين حول العالم، فجاؤوا بمجموعة تمثل «الفئات التي تعتبرها النيوليبرالية رموزاً وقضايا» كالمثليين والمتحوّلين جنسياً والنساء البدينات، كما أنهم استعانوا بطفلٍ للتأكيد على دعمهم للبيدوفيليا بعدما كانوا يحاولون إقناع الناس خاصة في مجتمعنا، أنهم يدعمون ما يعتبرونه «حقوق المثليين والمتحوّلين جنسياً» ويسمّونهم «مجتمع الميم عين» وهدفهم الأول تحويل هؤلاء إلى مجتمع خاص انفعالي ومنغلق بحجة «حقوقهم» ودمجهم في المجتمع، وأنهم يرفضون «تشريع البيدوفيليا». أما بالحقيقة فهم يدعمون «تشريع البيدوفيليا» ويعتقدون بأنّ ما يُسمّى «المجتمعات الشرقية» ستتقبّل الأمر كما تقبّلت مظاهر المثلية الجنسية والتحوّل الجنسي، انطلاقاً من قناعة عندهم أنّ كلّ ما يصدر عن «الغرب» يُبهر الأمم في «الشرق»، فيسارع أهل الشرق لتبنّيه وتقليده، أما واقعياً فهذا الأمر لم يحصل إلا لدى فئة قليلة جداً من الشعب، على مستوى الشرق عامة والعالم العربي خاصة. فللأمم والشعوب في الشرق والعالم العربي وسورية الطبيعية قيم مجتمعية وأخلاقية ودينية تدفعهم لرفض كل هذا التشويه من مظاهر انحرافية ومبتذلة.
حاول البعض إظهار أنّ ما حدث في الافتتاحية ليس سخريةً من «العشاء الأخير» بل هو يرمز إلى لوحة «مأدبة الآلهة» اليونانية لـ فان بيلغرت، حيث تقول الأسطورة إن هذا العشاء جاء احتفالاً بزواج «ثيتيث» و»بيليوس».
بمحاولةٍ نيوليبراليةٍ أيضاً لقلب الحقائق بعد الغضب العالمي الذي ظهر كردة فعلٍ أوليّة. وجاء كلام رئيس اللجنة المنظمة للافتتاح مغايراً لما نشره «النيوليبراليون» بل أعلن أن هذا الافتتاح يرمز لـ «العشاء الأخير»، كما أصدرت اللجنة المنظمة اعتذاراً عن الإساءة إلى «العشاء الأخير».
جاءت بعض ردود الأفعال على شكل تظاهرات في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، كما حذفت بعض المشاهد في الصين، وانتشرت بعض المقاطع المصوّرة لردة الفعل الغاضبة لمواطنين فرنسيين وأميركيين وغيرهم.
يرتكز المشروع النيوليبرالي الذي بدأ تصاعده مع الملياردير اليهودي جورج سورس، مطلق «الثورات الملونة» بدءاً من أوكرانيا عام 2014 وبدأ بمحاولة نشر أفكاره والقيام بخططه التدميريّة في كل العالم تقريباً.
فالنيوليبرالية هي عدوّة الصحة والرياضة والجمال، بل تسعى لتدميرهما، فهي تريد خلط المتحوّلين جنسياً بالرياضة لتضييع الهوية الجندرية شيئاً فشيئاً، فتفقد جماليّتها وبريقها.
و كيف لـ «البدانة المفرطة» أن تعكس الجمال والصحة وأن تمثّل الرياضة، ولا تُقصد هنا الإساءة إلى الأشخاص البدينين بل العكس، لكن لا يمكن أن تمثل البدانة، الرياضة والجمال والصحة، بل الرشاقة والقوة البدنيّة والجسم المتناسق، هم مَن يمكن أن يرمزوا إلى الرياضة والرياضيين وإلى الجمال الإنساني الطبيعي، خاصة أن البدانة تشكل خطراً كبيراً على الصحة. وهذا ما تؤكد عليه العلوم الطبية كلها.
فالنيوليبرالية تسعى دائماً لقلب مرتكزات الأمور والبديهيات الطبيعيّة رأساً على عقب، لأن تدمير المجتمعات ثقافياً وصحياً يحتاج إلى مثل هذه الأمور، كما أنّ ضرب الوحدة القوميّة للشعوب يحتاج إلى تقسيمها إلى فئات طائفية ومذهبية وعرقية وجندرية ووظيفية…
فهم يريدون أن يصبح للمثليين والمتحوّلين جنسياً «مجتمع» ولمرضى البيدوفيليا «مجتمع»، ولأصحاب البدانة المفرطة «مجتمع»، ولـ «الكلاب البشرية» «مجتمع»، هذه الظاهرة المرضية البشعة…
كما كانوا يدعون في الماضي ولو بأشكالٍ مختلفة، أن يكون للعمال «مجتمع» وللفلاحين «مجتمع» وكان يدعو الوجه الآخر للمشروع اليهودي إلى أن يكون لكل طائفة ومذهب وعرق «مجتمع».
إن المشروع اليهودي النيوليبرالي لا يقوم إلا بضرب الوحدة القوميّة والجمال والقدرات المادية والنفسية لدى كل الشعوب، فهو يرى قوته في ضعف الآخرين وفي شرذمتهم.
تلقت النيوليبرالية ضربات موجعة في آخر عامين، فالحرب الروسيّة على أوكرانيا «معقل النيوليبرالية» شكلت انكساراً كبيراً للمشروع خاصة أن هذه الحرب قد حملت أسباباً قوميةً وثقافية، حتى جاءت معركة «طوفان الأقصى» والتي شكلت منعطفاً كبيراً ومهماً في أمتنا السورية طال تأثيره العالم العربي والعالم كله.
فانحدرت النيوليبرالية وتصاعدت فكرة المقاومة وعادت المفاهيم القومية والقيم الاجتماعية لتبرز من جديد، كما مُثُل الشهامة والرجولة والنخوة، وغابت الميوعة وشهد العالم نفاق الغرب وعدم إنسانيته، وظهر بمظهر المنحط الداعم للإجرام وفقد الإبهار الذي كان يخدع العالم به.
في خلاصة الأمر، إن محاولة النيوليبراليين العالميين إبهار العالم من جديد قد انعكست عليهم انحطاطاً وسقوطاً قد لا يخرجون منهما أبداً خاصة مع استمرارهم بدعم الإرهاب الصهيوني في فلسطين ولبنان والشام والعراق واليمن…