مقالات وآراء

صنّاع الموت… وثقافة الحياة!؟

 يوسف هزيمة*

في خطابه الأخير أمام الكونغرس الأميركي، لفت رئيس حكومة كيان العدو بنيامين نتنياهو، أعضاء الكونغرس إلى أنّ حربه مع المقاومة الفلسطينية في غزة ومن يدعمها في لبنان وإيران وغيرهما، هي صراع بين ثقافة الموت وثقافة الحياة. ومثل هذا الكلام، ونعني: ثقافة الموت والحياة، استخدمه نتنياهو غير مرة، وفي مناسبات شتى. إلا أنّ الكلام ذاته مبنى ومعنى، كثر استخدامه في لبنان منذ أمد، لدى فريق سياسي ذي موقف سلبي من حركات المقاومة ضدّ «إسرائيل»، وكثر استخدامه أكثر بعد عملية طوفان الأقصى. وفي كلا الاستخدامَين، بالكيان الصهيوني ولبنان، ثمة توافق تام في الرؤى، السياسية منها والثقافية، حتى لا نقول هناك تنسيق في المواقف، وصل إلى حدّ الترويج لمصطلحات واستخدامها في غير معناها من جهة، ومن جهة أخرى لصق السلبي منها بفريق، ليس في رؤاه السياسية ولا الثقافية الا الإيجابية.
ولكي لا يبقى الكلام منطوياً على كثير من التعميم، فلنفصل أكثر ولنقُل بعبارات واضحة لا تحمل لبساً أو غموضاً أو تأويلاً: هناك في «تل أبيب» من يسعى جاهداً لتجميل صورته وإبعاد صفة الإجرام والقتل وصنع الموت.. هذه التي امتهنها منذ نشوء كيانه، وعليها أسس ذلك الكيان، فراح ساسة «تل أبيب» يسبغون على أنفسهم صفات من قبيل حب الحياة والسلام، ونعْت أعدائهم، بنعوت من قبيل حب الموت والقتل والحرب وما إلى ذلك من نعوت تهاوت بُعَيد طوفان الأقصى، وسقطت على رؤوس مطلقيها من الصهاينة، الذين ربما نجحوا في ترويجها على مدى سنين طويلة، لدى الكثير من الشعوب الغربية، التي بانت لها الحقيقة مع الإبادة الجماعية الصهيونية لأهل غزة…
وإذا كان الساسة الصهاينة يطلقون مثل تلك القوالب، ويقولبون بها أهل المقاومة، لأسباب وغايات بدت معروفة، لكن ما هو غير معروف هو أن يلجأ فريق سياسي لبناني، متمثل بجهات لها حضورها الحزبي ونشاطها الاجتماعي وتغطيتها الروحية، كي لا نقول الدينية. وهنا، لسائل أن يطلق ألف سؤال وسؤال عن نعت من يقاوم «إسرائيل» بكره الحياة وحب الموت. فهل باتت» إسرائيل» تمثل الحياة وأنّ كارهها وعدوها هو عدو الحياة؟ ثم هل انّ المسماة «إسرائيل» التي قتلت وجرحت في غزة وحدها، على مدى عشرة أشهر، زهاء 150 ألفاً عدا عما اقترفته من مجازر، منذ نشأتها، وهي التي نشأت على ذلك؟ هل «إسرائيل» وهذا ديدَنها، وتلك أفعالها، كارهة للموت ام ناشرة له؟!
أوَليس من العجب وصف من يقتل الأبرياء من الشيوخ والعجَزة والنساء والأطفال، ويدمّر البيوت على رؤوس ساكنيها، بأنه ناشر لثقافة الحياة، وهو الذي لم يُبقِ للحياة أي أثر؟!
أوَليس من العجب أن نرى الذين يدافعون عن حياتهم في وجه من يريد خطف الروح من حياتهم، وننعتهم بناشري ثقافة الموت وهم أكثر الناس حباً بالحياة ويحرصون على نيل نصيبهم منها متمثلين بقول القرآن الكريم (ولا تنسَ نصيبك من الدنيا).
أوَليس من العجب أن نتهم من يعادي «إسرائيل» بأنه عدو السلام، فيما هي ليس في كلّ ما قامت وتقوم به، وتقترفه يداها، ليس فيه البتّة ايّما سلام، بينما من يعاديها إنما يعاديها ويقاتلها بعدما نزعت هي منه الأمن والأمان والسلم والسلام.
والسلام…

*كاتب وباحث سياسي لبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى