مقالات وآراء

الأمان الوظيفي ونظام التقاعد ومطر تشرين الغادر!

عباس قبيسي

هل ترك الموظف لمصيره المجهول على هامش الوطن يتسكع على رصيف الحاجة والعوز حقوقه الضائعه جراء الأزمات التي عصفت بلبنان وليس آخرها السنين الخمس العجاف المالية والاقتصادية وباتت تعويضات تقاعده لا تساوي جناح بعوضة بعدما هدّ السقم جسده وترهّل الوجه وقلة الحيلة، وأصبح في خريف العمر، لم تدع له الظروف فرصة لآخر صيفه الوظيفي ليجمع ما تبقى من فتات مؤونته وحصاد سنوات زرعه ليقيه صقيع الشتاء القادم، لقد تُرك الموظفون على قارعة الطريق كهولاً وشيوخاً بدون أيّ مظلة حماية اجتماعية تحميهم من مرض الشيخوخه يذرفون دمع الحسرة تحت مطر تشرين الغادر بعد أن خطف ريح الأزمة العاتي جنى محاصيل اعمارهم.
أدت السياسات الاقتصادية والمالية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية الى انهيار اقتصادي ومالي ونقدي غير مسبوق، وقد تحوّل العجز المزمن في الميزان المالي وميزان المدفوعات إلى أزمة ديون سيادية مقترنة بأزمة سيولة، الأمر الذي أدّى إلى انكماش اقتصادي وقد انعكست تداعيات الأزمة على المشهد الاجتماعي والأمان الوظيفي وتعويضات نهاية الخدمة في القطاعين الخاص والعام، ووصلت تردّداتها بشكل بارز الى الطبقة الفقيرة والوسطى وهدّدت استقرارهم الاجتماعي، في ظلّ نظام متهالك للحماية الاجتماعية والصحية يعاني نقص في التمويل ومن عيوب في الهيكلية متزامناً مع ضعف قدرة البنية والتكيف سريعاً مع التحديات والظروف الناشئة.
من هنا يعدّ الأمان الوظيفي ونظام التقاعد والحماية الاجتماعية عاملاً مهماً وأساسياً يجب مراعاته عند البحث عن عمل، ويشير إلى الاستقرار واليقين عند الأشخاص واحتمالية قدرتهم على الاحتفاظ بهذه الوظيفة لفترة طويلة من الزمن تنتهي في معظم الأحيان عند سن التقاعد، حيث يوفر للموظفين والمتقاعدين راحة البال والثقة للتخطيط للمستقبل القريب والبعيد بدون القلق بشأن فقدان مصدر دخلهم، والاعتماد على راتب تقاعدي او تعويض لنهاية الخدمة يسدّ رمق حاجاتهم اليومية وغالباً ما ينظر إليه على أنه مؤشر رئيسي وأساسي لصحة واستقرار المؤسسات والإدارات والشركات التي يعملون بها بعدما بات مستوى الأمان آخذ بالتّراجع والانحدار الى الحضيض في كافّة المستويات، وعلى الدوله والقطاع الخاص أن يبادروا إلى تغيير جذريّ حقيقيّ في المنهجيّة المتبّعة والمنطق الذي يتحدثون به، من أجل تلافي المزيد من التبعات، عبر تصحيح احتساب التعويضات والرواتب التقاعديه وتغيير الأسلوب الرجعي الذي باتت لا تتقن فنّاً سواه.
إن الحفاظ على الأمن الوظيفي، يمنح الموظفين حافزاً وبيئة عمل داعمة وآمنة، وفرصاً للنمو والتطوير المهني، وتعدّ بيئة العمل الآمنة والصحية أمراً بالغ الأهمية، وعلى الدوله والقطاع الخاص أن يفكروا بعناية في آثار قراراتهم على أمن العمال، ويجب ان يتضمّن التفكير بشكل نقدي في المخاطر لمختلف مسارات العمل، وقد أشارت العديد من التقديرات أنّ اعتماد أرضية الحماية الاجتماعية والأمان الوظيفي لا يتطلب أكثر من 2% من الناتج المحلي حتى في الدول الأكثر فقراً ومصادر التمويل ممكنة من خلال إعادة النظر بأولويات الإنفاق العام والتوجه نحو الإنفاق الذي يمكّن القدرات البشرية ويضمن العيش الكريم.
في الختام، حتى لا نبقى كأبكمٍ يواسي كفيفاً فلا هو يقوى على الكلام، ولا الكفيف يرى ما يلمح إليه! إن استعادة ثقة المواطنين والموظفين على حدّ سواء بالدولة وبمؤسّساتها وتحسين جودة الحياة فيها، تبدأ بالعمل على تحقيق نمو والتعافي حيث لا يمكن الاستمرار تحت أيّ ظرف من الظروف السماح بتدهور الخدمات العامة واهتراء مفاصل الإدارة وتجاهل الديون المستحقة على الدولة لصندوق الضمان الاجتماعي لكي يتمكن من تحقيق تقاعد لائق للمضمون بعد تعب السنين والإسراع بإصدار المراسيم التطبيقية لقانون الشيخوخة والعمل على إيجاد حلول لاستقرار الاقتصاد الوطني لأنه يلعب دوراً مهماً في حماية الأمان الوظيفي والاستقرار الاجتماعي في وطن بات واقعه مريراً وتداعى فيه كلّ شيء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى