هل تغيّر موقف روسيا من حرب الطوفان؟
– بلغة الوقائع التي نعتمدها في محاولة فهم الأحداث وتحليلها والتعرّف على خلفياتها، أمامنا ثلاثة أحداث كبيرة تلفت الانتباه وغير قابلة للتجاهل، ولا يستطيع تفسيرها التحليل القائل بأن روسيا تراقب عن بُعد ما يجري في حرب طوفان الأقصى، وتكتفي بمساندة سياسية وإعلامية للموقف الفلسطيني وموقف قوى المقاومة وإيران وسورية، ولكنها بالمقابل تتمسك دبلوماسياً بموقف حازم يمنع تمرير الطبخات الأميركية الهادفة لاستغلال مجلس الأمن الدولي والمؤسسات الأممية لإضعاف الفلسطينيين وحلفائهم في محور المقاومة، وتبادر كلما سنحت الفرصة للتقدم بمشاريع تلاقي تطلعات الفلسطينيين بوقف العدوان بما يفتح الطريق لحل سياسي يقوم على القانون الدولي والقرارات الدولية ويحقق للفلسطينيين الأمل بإقامة دولتهم المستقلة.
– الحدث الأول هو حقيقة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان أول من حذر من جولة التصعيد التي نحن في قلبها الآن، وجاء ذلك خلال قمة غير معلن عنها مسبقاً جمعته بالرئيس السوري بشار الأسد، قال فيها أمام وسائل الإعلام موجهاً رسالة قوية علناً، مضمونها أن موسكو تعرف جيداً ما يجري في واشنطن خلال زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، متعمداً أن يعقد اللقاء مع الأسد في يوم كلمة نتنياهو ذاته أمام الكونغرس في 25 تموز، ليتدحرج الوضع نحو التصعيد عبر تسلسل زمني متسارع بعد كلام بوتين، بصورة تضع كل شيء في سياق ترجمة خطة التصعيد التي اتفق عليها الاميركي والإسرائيلي في واشنطن، وعرف بها بوتين وكشفها علناً، فوقع تفجير مجدل شمس وذهب ضحيته 12 من فتية المدينة السورية المتمردة على الاحتلال لأكثر من نصف قرن، في 28 تموز، ووجهت القيادات السياسية والعسكرية في الكيان اتهاماً مباشراً نحو حزب الله بالمسؤولية عن صاروخ قالت إنه سبب التفجير، خلال ساعة من التفجير متوعدة بالرد والانتقام. وخلال ساعات كانت واشنطن بلسان وزير خارجيتها ونائبة الرئيس، تعلن تأييدها لما تسمّيه بحق “إسرائيل” بالدفاع عن النفس، وفي 29 تموز أغارت الطائرات الإسرائيلية على مبنى فى الضاحية وقتلت من وصفته برئيس أركان حزب الله فؤاد شكر الذي قالت إنها كانت تبحث عنه ومعها واشنطن طوال 40 سنة.
– لم يسأل أحد أيهما أسهل ترتيبه في خدمة الآخر تفجير مجدل شمس أم الوصول إلى فؤاد شكر واغتياله، لكن كلام بوتين الاستباقي عن التصعيد فتح عيون الجميع، وزاد الاهتمام بكلامه الإشارة الى سورية كجزء من التصعيد والتفجير جاء في أهم مدينة سورية محتلة هي مجدل شمس، ليصبح ذريعة لاغتيال شخصية بارزة في المقاومة وفي ظلال دخان العملية عملية ثانية تستهدف قائد حركة حماس إسماعيل هنية في طهران، في زيارة دبلوماسية رسمية علنية لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، وإذ بواشنطن تتفهم الاغتيال، بصفته امتداداً لحرب غزة، وعندما تعلن إيران ويعلن حزب الله نية الرد، تعلن واشنطن عزمها إرسال قواتها وحاملات طائراتها الى المنطقة لتوفير الحماية اللازمة لكيان الاحتلال، ما يوضح طبيعة اتفاق واشنطن وتل أبيب، ثم تأتي الغارة الأميركية على موقع للحشد الشعبي قرب بغداد في 30 تموز لتوضيح تفاهمات نتنياهو في واشنطن، بربط حرب الطوفان بمستقبل بقاء القوات الأميركية في سورية والعراق، وخصوصاً سورية، باعتبارها مصلحة أمنية عليا لأميركا وكيان الاحتلال معاً.
– بدأت تتضح صورة اهتمام بوتين مع تبلور صورة مكانة سورية في التصعيد، خصوصاً لجهة التمسك الأميركي ببقاء الاحتلال في شرق سورية لمنع وحدتها ونهب نفطها ومنع تعافيها الاقتصادي. وكان السؤال كيف سوف تترجم موسكو هذا الاهتمام، واذا سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو يصل الى طهران في 5 آب قبل ثلاثة أيام، وتنشر الصحف الأميركية وعدد من الصحف العربية تقارير عن تعاون روسي إيراني عسكري وأمني، وعن تزويد روسيا لإيران أسلحة ومعدات حربية حديثة، فنذكر كلام الرئيس بوتين عن نية موسكو تزويد الذين يقاتلون ضد أميركا بالأسلحة الروسية المتطورة والبعيدة المدى رداً على تزويد أميركا لأوكرانيا بأسلحة تطال العمق الروسي.
– الحدث الثالث هو كلام البيت الأبيض عن القلق من انتقال روسيا من الدعم السياسي والدبلوماسي لإيران إلى الدعم العسكري، فهل تسببت معركة أميركا بالتمسك باحتلال شرق سورية التي تكفل نتنياهو بخوضها، ضد إيران وحزب الله، عبر دمج حرب الطوفان بحرب بقاء الاحتلال الأميركي، بأن تعتبرها موسكو حرباً ضدها، وأن تجد روسيا أن لا مناص من التعامل مع هذا الدمج، واعتبار الانتقال الأميركي من مرحلة تجميد صراعات الشرق الأوسط للتفرغ لمواجهة روسيا والصين، الى مرحلة اعتبار السيطرة على الشرق الأوسط مدخلاً لربح المواجهة مع روسيا والصين، تحولاً يمنع التعامل مع حرب الطوفان عبر الاكتفاء بالمراقبة والتدخل عن بعد؟
التعليق السياسي