يحيى السنوار أخذ الكتاب والبندقية بقوة
سعادة مصطفى أرشيد*
بعد أيام قليلة من استشهاد الشيخ إسماعيل هنية استطاعت حركة المقاومة الإسلامية حماس جمع أمرها وترتيب التواصل بين أعضاء المكتب السياسي ومجلس الشورى الموزعين بين الضفة الغربية وقطاع غزة والخارج عبر أدوات اتصال غير معروفة أو مرصودة من العدو، برغم التعقيدات التي فرضتها المعركة وتوصّلت أخيراً وبزمن قياسي إلى اتخاذ قرار بالإجماع بانتخاب القائد يحيى السنوار رئيساً للحركة خلفاً للشهيد هنية قاطعة الطريق على الفراغ وعن محاولة بعض الأطراف وأنصاف الأصدقاء لفرض رئيس أو للضغط باتجاه شخص محدّد. وبهذا فإنّ الحركة تثبت للجميع كم هي في حالة صحية سليمة، وإنْ كان في المكتب السياسي ومجلس الشورى صقور وحمائم، ولكنهم يتعايشون مع بعض من أجل هدف سامٍ، وإن وجود صقور وحمائم ليست منقصة وإنما ظاهرة صحية تتعايش بها وجهات النظر. فالإنسان بطبعه يختلف عن الإنسان الآخر ولا يتطابق معه في تفكيره وأسلوبه، ولكن من الممكن أن يتفق على الهدف، وكما يُقال لكل شيخ طريقة، ولكنها توصل الى المكان ذاته.
في عودة لقراءة تاريخ الوصول الى هذه النتيجة نلاحظ أنه على مدى عقود من الزمن قدّم محور المقاومة (أو الممانعة باسمه السابق) دعماً دائماً للمقاومات على مدى الإقليم وإن تفاوت في الحجم، وذلك حسب الظروف والإمكانيات وعلى قاعدة المثل القائل: الجود من الموجود، ولكن في ظروف دقيقة ولحظات صفرية قدّمت إيران الفارسية الشيعية كل الدعم للمقاومات العراقية واللبنانية والفلسطينية واليمنية وحاربت وتحارب إلى جانب الدولة السورية في مواجهة الحرب العالمية التي أطلقتها عليها “الحضارة” التي تطلق على نفسها اسم الحضارة اليهودية المسيحية Hebrew Christian civilization ، فكونها فارسية شيعية أمر يخصّها ومن شأنها، أما شأننا وما يعنينا فهو في دعمها لنا ووقوفها إلى جانبنا. وعندما حوصرت حركة المقاومة الإسلامية حماس من دول عربية وسنية لم تجد من يستقبلها سوى دمشق، وحسب ما كان رئيس المكتب السياسي الأسبق يقول إنّ وزير الخارجية الأميركي في عهد بوش الإبن قال للرئيس الأسد أثناء زيارته دمشق إن أمامه أحد خيارين، إما أن يطرد قيادة حماس من دمشق وإما أن يكون مصيره كمصير صدام حسين، ولكن الرئيس الأسد أجابه من فوره لن أسمح بخروج حماس وقيادتها من دمشق إلا إلى حيفا ويافا والقدس وفلسطين. ولم تقف دمشق أثناء المعركة معاتبة الحلفاء الذين أخذتهم اللحظة وغرّتهم الأماني في مطلع الربيع الزائف وانساقوا وراء أوهام ووعود الغرب وأصبحوا يرون في النظام في الدولة السورية نظاماً علوياً طائفياً خارجاً عن أهل الجماعة والسنة.
أما العرب الأقحاح وأهل السنة والجماعة أو بعضهم فقد قدّم لأعداء المقاومة وأعداء الشعب الفلسطيني وأعداء شعوبهم كلّ ما يستطيع من إسناد ودعم في المعلومات وفي تزويدهم بما قطع عنهم من إمداد بفعل المقاومة اليمنية وتعطيلها الملاحة المتجهة إلى ميناء إيلات، وذلك بخطوط برية من جبل علي وفي إعطاء شركات صناعة السيليكون التي تعطلت في شمال فلسطين المحتلة أرضاً بديلة، وأكثر من ذلك في التصدي لمُسيّرات وصواريخ المقاومة نيابة عن العدو فيما تقدّم القواعد العسكرية الأميركية في بلادهم لـ”إسرائيل” الذخائر والأسلحة القاتلة من مستودعاتها في تلك الدول.
هكذا حمل الاختيار الإجماعيّ للشيخ يحيى السنوار نزيل الأنفاق مجموعة من الرسائل لمن يهمّه الأمر من صديق أو عدو وهي:
أولاً: إنّ حركة حماس مجمعة على خيار المقاومة وإنّ القرار الذي أعدّ له واتخذه السنوار في السابع من تشرين الأول الماضي هو خيار الجميع ومحلّ إجماع الجميع.
ثانياً: إنّ حركة حماس تزداد اقتراباً من محور المقاومة ومن إيران، وتدرك أنّ هذا هو الخيار المنسجم مع قرارها الذي انطلق مع بدء المعركة.
ثالثاً: إنّ المعركة مستمرة وإنّ المقاومة لا زالت تملك الإرادة أولاً وما يلزم من أدوات الصمود والقتال. ثانياً وإنّ الوقت هو المعركة وإن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
رابعاً: إنّ إضاعة الوقت في مسارات تفاوضيّة لن توصل إلى شيء، الأمر الذي سيضعف من دور أصدقاء المقاومة الذين يقومون بالوساطة لمصلحة أصدقائها الذين يدعمون بالسلاح والمشاغلة والانخراط بالمعركة.
رابعاً: إنّ مَن يعِش في نفق ضيّق يملك من الحرية والقدرة على الانطلاق إلى آفاق رحبة ويملك من اتساع الخيارات والقدرة على اتخاذ القرارات دون ضغط عاصمة أو إملاء دولة ما لا يملكه أي ضيف خفيف أو ثقيل على عاصمة أو دولة.
خامساً وأخيراً: إن النفخ الغربي – (الإسرائيلي) – والعربي السنيّ الإبراهيمي في قربة الخلاف السني والشيعي واستحضار مسائل شتم الخلفاء الراشدين والسيدة عائشة أو ذم الإمام الحسين والتهكم على عاشوراء مسألة لم تعد مجدية وسقطت بجدارة أمام امتحان الدم والنار.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة