ثقافة وفنون

زيارة جديدة لتاريخ عربي…عبد الناصر كما حكم والبعث كما حكم

حسام حمدان ـ سورية

عُقدت ندوة فكرية بعنوان «ثلاثية الدكتور كمال خلف الطويل: زيارة جديدة لتاريخ عربي.. عبد الناصر كما حكم.. البعث كما حكم»، وذلك في مقرّ اتحاد الكتاب العرب بدمشق وبحضور الدكتور كمال خلف الطويل.
شارك في الندوة كلّ من الدكتور منير الحمش والدكتور عماد فوزي شعيبي، في حين اعتذر الدكتور عقيل محفوظ عن عدم الحضور لأسباب خاصة وقدّم ورقة قرأها عنه الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب الذي أدار الجلسة.
بدأ الدكتور منير الحمش بأنّ شهادته مجروحة بالدكتور كمال خلف الطويل وبالبعث لأنه عضو فيه منذ العام 1954، واثنى على موسوعية الدكتور كمال وعلى اتساع دراسته، وقال إنه سيتحدث فقط عن الشق المتعلق بالبعث وكيف حكم.
وفي هذا الإطار تناول إشكالية تأسيس الدولة السورية وتناول مسؤولية جميع السوريين عن مواجهة الخطر الصهيوني باعتبار فلسطين هي الجزء الجنوبي من سورية، وتحدث عن دور الولايات المتحدة في مرحلة التأسيس وفي الانقلابات العسكرية ومرحلة الوحدة مع مصر، وعن الانشقاقات في تاريخ البعث وعن بعض الذكريات في مراحل مختلفة من تاريخ وجوده في الحزب.
الدكتور عماد فوزي شعيبي قدم مطالعة معمّقة في فهمه لكتابة التاريخ وأسقطها على كتابة الدكتور كمال حيث أثنى على ما لاحظ أنه منهج جديد متفرّد ومبتكر في كتابة التاريخ بحيث يصنع الحدث وتحليله…
يرى د. عماد أنّ التّاريخ في الكتاب يَخلِق التاريخ المعاش مرّةً كما حدث ومرّةً كما يُفهم، وتحدث على أنّ التدخل البشري هو الذي يصنع القياس، وأن الحدث في التاريخ هو حدثان، حدث في التاريخ وحدث يقدّمه كاتب التاريخ وهو ما فعله الدكتور كمال حين كتب التاريخ.
وتحدث عن فعل النقد في كتابة التاريخ، وأنّ أفضل النقد هو النقد الذي يبني على البناء أو يبني بناء موازياً وهو ما فعله الدكتور كمال خلف الطويل، وبرأيه أنّ منهجه مبتكر يتجاوز السرديات التاريخية التي عوّدنا عليها كتاب التاريخ وهي أقرب إلى القصصية المشوّقة أحياناً والممجوجة أحياناً.
وتحدث أنه لا بدّ من الاعتراف بأنّ الذاتية عادة تتغلب على أيّ موضوعية مفترضة ليس فقط في كتابة التاريخ إنما أيضاً في كلّ الفعل البشري بما فيه الفعل العلمي.
وعن لغة الدكتور كمال وصفها الدكتور عماد بأنها «لغة صعبة».
مدير الندوة رئيس الاتحاد د. محمد الحوراني رأى أنّ الكاتب انطلق من ولاءاته الوطنية وجعلَ من فلسطين بوصلته، وربما لا يتقاطع البعض منا مع بعض ما ذهب إليه الدكتور كمال في هذه الثلاثية لكنه استند الى الوثيقة وهذا المهم.
وتساءل الدكتور الحوراني في مكان آخر، لماذا أخفقت الأيديولوجيات والسياسات في تحقيق ما وعدت به ولو بالحد الأدنى. بل لماذا لم تتمكن من مجرد المحافظة على جمهورها ومحازبيها الذين انخرطوا فيها ومنهم من بذل كلّ شيء ممكن من أجلها، ولماذا أصبحت هي نفسها عبئاً على المجتمعات والبلدان والإقليم ككلّ، وبالطبع عبئاً على نفسها، فلم تتمكن من تجاوز ما هي فيه ولا من مراجعة تجربتها، ولا تجرؤ على مجرد فتح نصوصها التأسيسية وخطاباتها ومقولاتها الايديولوجية السابقة، وهل ثمة نصوص قابلة للقراءة اليوم.
وتحدث عن أنه لا بدّ من مراجعة المرحلة مراجعة أعمق بكثير، ولا بدّ من طرح أسئلة كثيرة يجب أن تطرح بقوة، لأننا عندما نطرحها وعندما نشتغل على معالجتها يمكن أن نتجاوز كثيراً من السلبيات في قابل الأيام.
د. عقيل محفوظ في ورقته التي قرأها عنه الدكتور محمد الحوراني استعرض محتويات الكتاب وتحدث عن صدمة حرب 67 وكيف قرأ الرئيس عبد الناصر هذا الحدث، وتحدث عن إدارة الرئيس الأسد للصراع مع الكيان الصهيوني في نفس الوقت مع صراعات مع خصوم كثر في الإقليم، وبرأيه أنّ جبهة الخارج كانت أكثر أولوية في عهده على حساب الداخل.
اختتمت الندوة بمجموعة من المداخلات المتنوعة من الحضور :
العميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي طارق الأحمد تحدث عن ضرورة تناول بقية التيارات في المنطقة كالتيار الشيوعي والسوري القومي الاجتماعي والديني.
وزير الإعلام السوري الأسبق محمد سلمان قدّم مداخلة عن سايكس بيكو ودورها في تشكّل الأحزاب العديدة، وتحدث عن قرار خارجي بمنع التلاقي السوري والعراقي، وعن النظره الأميركية لسورية باعتبارها تشكل خطراً على «إسرائيل» وعلى شركاء أميركا في المنطقة.
المعارض الوطني والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية محمود مرعي اشتكى من عدم وجود تجديد في الحياة السياسية وطالب بإعادة قراءة تجربة الجبهة الوطنية التقدمية.
القيادي السابق في حزب البعث ووزير الإعلام السابق د. مهدي دخل الله طالب بتطبيق نظريات التواصل الحديثة واحترام صبر المستمعين وقدّم ملاحظات على أسلوب الندوة.
الأستاذ الجامعي د. بسام أبو عبد الله أشار إلى ضرورة وجود «رواية بعثية» للأحداث وهو ما نفتقده منذ التأسيس وسأل ماذا يجب أن نفعل لنتطلع للمستقبل.
النائبة السابقة المهندسة ماريا سعادة أوضحت أنّ فهمها لقراءة التاريخ هو من أجل استقراء المستقبل وتساءلت هل هناك حاجة لأيديولوجيا جديدة؟
اللواء د. حسن حسن (ضابط سابق في القوات المسلحة) اعتبر أنّ الكتاب ليس كتابة للتاريخ بل هو قراءة للتاريخ، وتحدث عن جزئية وردت في الكتاب حول حرب الكويت حيث أوضح أنّ المشاركة السورية في الحرب كانت بعد استنفاذ كلّ الوسائل وبعد رسالة من الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى صدام حسين التي عرض فيها الوقوف إلى جانب العراق مقابل الانسحاب من الكويت.
البعثي السابق وفيق عرنوس تحدث عن مؤتمر حمص وتحدث عن دور الجهاز العسكري في الحزب.
الكاتب والنائب السابق نيبل صالح تساءل حول «البعد الاسبارطي» في بنية عمل حزب البعث وتأثيره على سورية والعراق.
أخيراً ردّ الدكتور كمال خلف الطويل على المداخلات فشكر الحضور وشكر المشاركين على مداخلاتهم «النبيهة»، وتمنّى لو أنّ الكتاب كان متوفراً في السوق للجميع وكان ذلك سيساعد على نقاش أكثر جدوى،
ووصف الثلاثية بأنها تحليلية ونقدية من الطراز الأول وموضوعية، قال إنه لم يجامل أحداً، ونبّه إلى تناول الكتاب للسوريين القوميين الاجتماعيين وللإخوان المسلمين ولغيرهم، فالكتاب لا يقتصر على تاريخ عبد الناصر وحزب البعث.
وتحدث عن اختلال موازين القوى مع الغرب الاستعماري، وإلى الجانب التناحري الداخلي الذي أدّى لما وصلنا إليه وإلى التصحر الفكري والسياسي الذي أصاب المنطقة ككل.
واعتبر أنّ تعبير «النيو بعث» هو تعبير لتوصيف مرحلة 23 شباط بمعنى أنه خروج على النسق القيمي العمومي للقيادة التقليدية للبعث.
عن موضوع الإخوان المسلمين اعتبر أنّ تعامل النظام كان تعاملاً «حصيفاً» وفيه الكثير من المرونة واللين في البدايات، ففي عام 1980 قام الوسيط الاخواني بالذهاب إلى فروع الأمن فأخرج خمسمائة اخواني بتوجيه من الرئيس الأسد لكنهم عندما خرجوا عادوا للقتال ضدّ الدولة.
وتحدث عن أنّ النظام تحوّل من نظام رحب نوعاً ما «شبه ليبرالي» إلى نظام يملك إحساساً بأنه مستهدف فحصل انكماش خشية من سقوط البلد.
وقال د. كمال إنه في صدد كتابة رباعية عن تاريخ النصف الأول من القرن العشرين بزيارة راجعة.
وختم د. منير الحمش بشكر الحاضرين.
وختم د. عماد فوزي شعيبي بأنّ التاريخ من وجهة نظره يجب أن يكون «موديلاً» نستقرئ منه الدروس ولا نعود اليه «لنكء الجراح» ولا يكون «عبادة مقدسة له «، والتاريخ هو بناء على البناء، وعندما نناقش سلبياته يجب أن لا نخضع لمنطق «الخرباوبي» بمعنى نسف التاريخ، وأن التاريخ لا يجب أن يكون سلفيةً جديدة، ودعا للخروج من وهم أنّ التاريخ ناصع ونقائي أو سيّئ جداً، فهذه الثنائية المانوية (إما ـ أو) خطيرة جداً في قراءة التاريخ.
وختم بأننا يجب أن نقرأ التاريخ كصراع.
*من الطريف أنّ اللواء د. حسن حسن في مداخلته بعد ذلك تناول هذا التوصيف وتحدث مخاطباً د. عماد: إذا كانت لغة د. كمال «صعبة» فلغتك أصعب.
وقد يكون مع د. حسن كلّ الحق فالغوص في الفلسفة مع أستاذها في جامعة دمشق متعب للعامة ومتعب أيضاً لكاتب هذه التغطية، والذي كان يلهث للحاق بالمعنى وتسجيله وسط كمّ كبير من المفردات والأفكار المتسلسلة والمترابطة والمصطلحات المغرقة في اختصاصيتها التي غلبت على حديث د. عماد.
وننصح المهتمّين بالحصول على نص ورقة د. عماد وقراءتها بعمق أكبر وهدوء فهي هامة جداً وتستحق بذل الجهد لتفكيك الغازها (إذا صحّ التعبير).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى