هل الردّ على «إسرائيل» معجّل… وعلى أميركا مؤجّل؟
د. عصام نعمان*
تنتظر «إسرائيل» قيادةً وجمهوراً بقلقٍ بالغ ردّ إيران على اغتيال ضيفها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس القائد المجاهد إسماعيل هنية، وردّ حزب الله على اغتيال كبير قادته العسكريين القائد المجاهد فؤاد شكر. الردّان حتميان وضاريان، وسيكونان منفردين او متناسقين وذلك بالتعاون مع سائر أطراف محور المقاومة.
الولايات المتحدة سارعت إلى نجدة «إسرائيل» بتحويل جزيرة قبرص منصةً لحشد عسكري بشري وتقني غير مسبوق ضدّ حزب الله وإيران، مقرونٍ بضغوطٍ شديدة ليكون الردّان الحتميان «معقولَين»، أيّ في مقدور «إسرائيل» تحمّلهما، وبمساعٍ حثيثة لهندسة اتفاق «متوازن» لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
إيران وحزب الله رفضا البحث في طبيعة الردّ المرتقب لكلٍّ منهما على كيان الاحتلال، بينما تجاوبت القاهرة والدوحة مع مساعي واشنطن وذلك بالتوافق على اتفاق للمشاركة في مفاوضاتٍ بين «إسرائيل» و»حركة حماس» لوقف إطلاق النار في 15 آب/ اغسطس الحالي، لعلّ مصيرها سيكون، على الأرجح، مصير القرارات والنداءات والتوصيات التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي (خصوصاً القرار 2735) ومحكمة العدل الدولية وسائر المنظمات الدوليّة المعنية بحقوق الإنسان والإغاثة والرعاية الاجتماعية إذ حرصت «إسرائيل» على تجاوزها أو تجاهلها كلها.
إلى أين من هنا؟
الجواب موجود لدى الولايات المتحدة، بمعنى أنه تقتضي معرفة أو توقّع ما تبتغي فعله من وراء تحويلها قبرص منصة اعتراض (وهجوم) ضدّ إيران وحزب الله. في هذا المجال، يمكن تقديم تفسيرين لذلك: الأول، أنها (أميركا) ستكون محرجة إذا استخدمت قواعدها العسكرية في العراق وسورية والأردن لدعم «إسرائيل» في ردّها على الردّين الحتميّين الضاريين لإيران وحزب الله الأمر الذي حملها على تحويل قبرص الى منصة اعتراض وهجوم بديلة، خصوصاً بعد شروع قوى المقاومة في العراق بضرب قاعدة عين الأسد لاستعجال انسحاب القوات الأميركية من بلاد الرافدين. كما شروع العشائر العربية في ريف محافظة دير الزور بمهاجمة قوات منظمة «قسد» التي تضع يدها، بدعمٍ من القوات الأميركية، على آبار النفط في محافظتي دير الزور والحسكة السوريتين. الثاني، لأنها حليف وشريك لـِ «إسرائيل» في ردّها المرتقب على ردّ كلّ من حزب الله وإيران على كيان الاحتلال.
كِلا التفسيرين يطرحان بدورهما سؤالاً بالغ الأهمية: هل يقتضي استئخار مشاركة قوى المقاومة في العراق وسورية في الردّ المتناسق أو الموحّد لأطراف محور المقاومة على «إسرائيل» وذلك تفادياً لتقديم ذريعةٍ للولايات المتحدة تبرّر بها انخراطها مباشرةً في الحرب دعماً لكيان الاحتلال ضد إيران وحزب الله؟
في الواقع، ثمّة فريق في السلطة بكلٍّ من العراق وسورية يرى أن الجهود الوطنية والسياسية يجب أن تتركّز في الوقت الحاضر على إجلاء القوات الأميركية من قواعدها الكائنة في قلب العراق (عين الأسد) وعلى طول الحدود الشرقية لسورية مع العراق وأهمّها قاعدة التنف الكائنة في مثلث الحدود بين البلدين والأردن، وأنّ تلك الأولويّة تجعل من الصعوبة بمكان أن تشارك قوى المقاومة في كلا البلدين في العمليات الجهادية التي يقوم بها محور المقاومة ضدّ «إسرائيل». أكثر من ذلك: يزعم هذا الفريق أنّ من شأن انخراط قوى المقاومة في العمليات الجهادية ضدّ الكيان الصهيوني حمل الولايات المتحدة على تعزيز قواتها في كلٍّ من العراق وسورية وتأخير انسحابها تالياً من كِلا البلدين.
في المقابل، يرى قادة المقاومة في العراق وسورية أن للوجود العسكري الأميركي في كِلا البلدين مهمّتين رئيستين: حماية مصالح الولايات المتحدة في الإقليم، والإسهام في تنفيذ مخطط قديم صهيو – أميركي يرمي الى تفكيك كِلا البلدين بإقامة دولةٍ كردية مستقلة في شمال العراق وأخرى في شمال شرق سورية تكونان متحالفتين مع الولايات المتحدة ومهادنتين بل متعاونتين مع الكيان الصهيوني. لذلك تدعو قوى المقاومة في العراق وسورية الى القيام بمهمتين وطنيتين معاً، مع أخذ الظروف الموضوعيّة في الحسبان، هما الضغط سياسياً وعسكرياً لإجلاء القواعد العسكرية الكائنة في البلدين من جهة، ومن جهة أخرى المشاركة في العمليات الجهادية التي تقوم بها أطراف محور المقاومة ضدّ الكيان الصهيوني. ويرى قادة المقاومة في كِلا البلدين انّ الولايات المتحدة ما كانت لتقوم بتحويل قبرص الى منصة اعتراض وهجوم لولا تخوّفها من تصعيد قوى المقاومة لنضالها الهادف الى إجلاء القواعد العسكرية الأميركية من البلدين والحؤول تالياً دون خدمة مخططها الرامي الى تفكيك وحدة البلدين ما يفيد العدو الصهيوني الساعي الى توسيع رقعة الكيان عملاً بالشعار المرسوم على مدخل الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي: «ملككِ يا إسرائيل من الفرات الى النيل».
الى ذلك، ترفض قوى المقاومة الفلسطينية والعربية الحجة الملغومة القائلة بأنه يقتضي استئخار مشاركة قوى المقاومة في العراق وسورية في العمليات الجهادية ضدّ الكيان الصهيوني العدواني، وذلك تفادياً لتقديم ذريعة للولايات المتحدة تبرّر بها انخراطها المباشر الى جانب «إسرائيل» في حرب الإبادة التي تشنّها على الشعب الفلسطيني، ذلك لأنّ الولايات المتحدة لم تكن بحاجة قط في أيّ يوم او ظرف الى ذريعة لدعم «إسرائيل» أو نجدتها في حروبها العدوانية على قوى المقاومة والنهوض العربية. فهي كانت، وما زالت، تدعم «إسرائيل» مباشرةً ومداورةً ولا تأبه لما قد يشكّله ذلك من «إحراج» للدول العربية التي تحالفها. لذلك، لا غضاضة ولا خسارة في انخراط قوى المقاومة في بلاد الرافدين وبلاد الشام مع سائر قوى المقاومة العربية في مواجهة «إسرائيل» الصغرى (الكيان الصهيوني) كما «إسرائيل الكبرى» (الولايات المتحدة) في هذه الآونة التي يعاني كلٌّ منهما من انقسامات (استطلاعات الرأي تحذّر من اندلاع حرب أهلية) ومتاعب اقتصادية متزايدة تحدّ من قدرتهما على مواجهة شعوب الأمة العربية المستنفَرَة لنصرة شعب فلسطين وطوفان الأقصى.
إلى ذلك، يجدر بأطراف محور المقاومة اغتنام هذه الفرصة الماثلة لمواجهة العدو الصهيونيّ متحدين، أو أقلّه متناسقين، للحؤول دون تمكينه من إخضاع المقاومة الفلسطينية. ذلك أنّ نجاحه في ذلك سيمكّنه لاحقاً ليس من تصفية القضية الفلسطينية فحسب بل تمكينه أيضاً، بدعم موصول من الولايات المتحدة، من فرض سيطرة «إسرائيل» على المشرق العربي برمّته: من بلاد الشام وبلاد الرافدين في شمال الوطن العربي، إلى وادي النيل في وسطه، ومن ثم الى الجزيرة العربية في جنوبه.
لا غلوّ في القول إنّ اتخاذ أطراف محور المقاومة، مترسملين على ما لديهم من طاقات اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية وشعبية وازنة، يمكّنهم أقلّه من تدفيع «إسرائيل» ثمناً أعلى بكثير من الثمن الذي تسعى «إسرائيل»، بدعمٍ من الولايات المتحدة، لتدفيعه لأطراف محور المقاومة.
ثمة فرصة لطيّ صفحة قاتمة وفتح صفحة مشرقة في تاريخ الصراع مع الغرب الاستعماري في عالم العرب.
*نائب ووزير سابق