رد حماس على اغتيال هنية
ناصر قنديل
– الأكيد أن أحد أبرز أهداف اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، بتوافق أميركي إسرائيلي، في سياق تضمّن استفزازاً للمقاومة اللبنانيّة واغتيال أحد قادتها وتجاوز خطوطها الحمراء باستهداف الضاحية الجنوبيّة، هو إتاحة الفرصة أمام الكيان لاسترداد معادلة الردع التي رسمتها إيران في ردها في 14 نيسان على استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق، وإعادة التوازن الأميركي الإيراني الى معادلة الإقليم عبر الحشود الأميركية تحت شعار حماية الكيان من الرد الإيراني، والوقوف قبالة إيران رداً على عودة عمليات المقاومة العراقيّة ضد قوات الاحتلال الأميركي للعراق وسورية، لتثبيت ستاتيكو محوره الأول توازن هش بين محور المقاومة والكيان يترجمه اتفاق مفخّخ حول غزة، عبرت عنه دعوة التفاوض إلى يوم الخميس المقبل، لإجهاض الردّ الإيراني ورد محور المقاومة، ومحوره الثاني بقاء الاحتلال الأميركي في سورية والعراق كجزء من معادلة القوة الأميركيّة التي تحمي الكيان من جهة، وتحفظ توازنات دولية وإقليمية لأميركا فيها حضور وتأثير في مواجهة ثلاثي آسيا الصاعد، روسيا والصين وإيران، من جهة مقابلة، بانتظار ترسيم ما يُسمّى النظام العالمي الجديد، الذي تريد واشنطن أن تكون سورية فيه خارج المظلة الآسيويّة كحليف لهذا الثلاثي الصاعد، مقابل الإفراج عن حقوق سورية ووحدة أراضيها واسترداد ثرواتها وتحقيق سيادتها، عبر الانسحاب من سورية مقابل هذا الشرط الذي تصوغه واشنطن تحت شعار العودة إلى ما قبل 2011، بينما تعرض في ملف الصراع حول غزة العودة الى ما قبل 7 أكتوبر، حيث يعود المستوطنون الى شمال فلسطين وجنوب غزة، ويفتح البحر الأحمر أمام الملاحة بحماية أميركية، ويعود الإمساك الأمني للكيان بملف غزة عبر الحصار والمعابر، وتكون المقاومة في غزة تحت ضغوط التمويل العربي وحضور السلطة الفلسطينية.
– إذا كان هذا الهدف الاستراتيجي للتصعيد الكبير الذي أدخلت إليه المنطقة بقرار أميركيّ يطلق اليد الإسرائيلية، ويوفر لها الحماية السياسية وهو يستقدم كل الترسانة الأميركية لتوفير الحماية العسكرية لها، فإن هناك هدفاً تكتيكياً يمثل ركيزة لا غنى عنها لبلوغ هذا الهدف الاستراتيجيّ، والهدف هو الدخول على خط التركيبة الداخليّة لحركة حماس، بعد استعصاء التلاعب ببنيتها وتوازناتها في ظل رئاسة إسماعيل هنية، وقد أظهر هنية قدرة على الجمع بين وحدة المكتب السياسيّ والتنسيق الدقيق مع قيادة القسام ورئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، وإظهار الحرص على علاقات حماس بكل من الدوحة والقاهرة وأنقرة دون خسارة ثقة طهران والضاحية الجنوبيّة وصنعاء وبغداد وصولاً الى دمشق. وتظهر الدعوة للمفاوضات التي حملها البيان الرئاسي الأميركي الذي حمل توقيع أمير قطر والرئيس المصري أيضاً، أن خطة الاستهداف التي طالت هنية كان من ضمنها مشروع لاحتواء الرد ومحاولة إجهاض الرد عبر عودة التفاوض، وإظهاره تخريباً على مسعى جدّي لإنهاء الحرب في غزة، لكن شرط ذلك هو وجود قيادة جديدة لحماس تملك الدوحة والقاهرة قدرة التأثير على قرارها للمشاركة من جهة، وتكون مستعدّة للتجاوب مع نصف حل في غزة، يقوم على قبول نصف شروط حماس، من خلال الضغط على خيار المقاومة داخل غزة وفي محور المقاومة بالعنوان الإنساني والحاجة لوقف الحرب بأي ثمن، ويلحظ أي متابع لما جرى في الأيام التي سبقت انتخاب يحيى السنوار رئيساً لحماس بالإجماع، محاولة تسريب أسماء وتشجيع قيادات في حماس على فرض أمر واقع كرئاسة بالإنابة أو مؤقتة.
– فاجأت حماس الجميع بإجماع قادتها على اختيار السنوار رئيساً، ومشاركة كل ألوان الطيف الحمساوي بالاختيار، وجاء كأول رد عملي على الاغتيال، حيث ظهر في ميزان الأرباح والخسائر في الكيان، كما قال معارضون بارزون لبنيامين نتنياهو، ماذا فعلت بنا بتخلّصك من هنية وتمهيد الطريق للسنوار، ذلك أن مجيء السنوار الى الرئاسة خسارة كاملة، ومعه دفع فاتورة الردّ المتوقع من إيران على اغتيال هنية، فأين هي الأرباح؟ والسنوار هنا ليس معروضاً في مفاضلة مع أقرانه القادة الآخرين، بل إن مسؤوليته عن المقاومة وعن الطوفان وعلاقة الثقة بينه وبين محور المقاومة، ووجوده في غزة بعيداً عن عناصر الإحراج والضغط لكل من القاهرة والدوحة، عناصر لا يملكها سواه، وقد ظهرت مباشرة في موقف حماس من الدعوة للتفاوض، الموجّهة أصلاً لإجهاض الرد، فجاء بيان حماس مشككاً بالحديث عن صوابية خيار التفاوض، وبصدقيّة الرهان عليه، مذكراً بتلاعب نتنياهو بكل الفرص السابقة، بوجود مشروع اتفاق نص عليه قرار مجلس الأمن الذي أيد مبادرة الرئيس الأميركي وتضمن تفاصيل مهمة، وهو نص قبلته حماس وتنقصه موافقة نتنياهو ومن ثم خطة تنفيذ. وجاء هذا الجواب يفتح الباب مجدداً أمام محور المقاومة للردّ على عمليات الاغتيال، ناقلا الكرة إلى ملعب الوسطاء والكيان في مسألة اتفاق حول الحرب في غزة. وهكذا تعطل ركن رئيسي في خطة ما بعد الاغتيال، وسقط زمام المبادرة السياسي من يد واشنطن وتل أبيب وعاد الى غزة، ليصبح زمام المبادرة العسكري بيد طهران والضاحية الجنوبية وصنعاء.