اللحظات الأخيرة قبل الموت والحياة
شيماء الدرة
الجميع هنا ينتظر مجهولاً قد نكون الأقرب من الموت المحقق في هذه اللحظات أو النجاة لا أحد يعلم،
نحن الآن في الشهر الثامن من السنة والحادي عشر لحرب طال قبحها علينا، وأشعر بأنني بحاجة ماسّة لملابسي الصيفية التي بقيت تحت ركام منزلي المقصوف، ولم أجد ما يلزمني لشحّ صاب الأسواق منذ أكتوبر المنصرم، وبعض من لوازمي الشخصية لم يقف الأمر إلى حدّ هذا فقط.
بل نقص في الطعام والوقوف في طابور المخابز وماء بات حلماً لنا جميعاً، وكما البحث عن مكان لديه مصدر طاقة شمسية لشحن الهاتف المحمول، فماذا عن النازحين للمجهول من جنون هذا الحرب؟
أنا وكلّ شخص في غزة نعيش التغريبة الفلسطينية بكلّ طقوسها فهجرنا جمعياً مأمننا حيث لا أمان في غزة،
فالحرب قد غمرت حياتنا بظلامها ولا أحد من هذا العالم يحرك صامتاً، لتصبح اللحظات الدافئة في منزلي ومع أصدقائي وأحبائي الذين ربما لن أراهم مجددًا هي ذكريات أتمنى يومياً عودتها وإنْ أصبحت عودتها حلماً.
في قلب هذة العتمة يفترس جنون الطائرات من كلّ صوب أنظر إلى السماء أبحث عن شعاع من الضوء يشير إلى أنّ هناك أملًا بالخروج من هذا الكابوس، لكنه لم يأتِ بعد.
يبدو أنّ أجدادنا عام 1948 كانوا اكثر حظاً…
لم تكن يد الاحتلال قادرة على اغتيال كلّ ما هو حي بهذه الوحشية، فيوم يمتلك كلّ أساليب الإبادة لم يسلم منها الأموات في الموت الأول عادوا فاغتالوهم مرة أخرى كما في المستشفى المعمداني، وفي مراكز الإيواء حتى بيوت الله انتهكوا حرمتها، فحرقوا الحجر قبل البشر، فالموت طوق علينا كلّ السبل فلا برّ وبحر لنا، بينما أجدادنا كانت الحدود أمامهم مفتوحة للهرب من بطش العدو،و كانت آمالهم بالعودة في الصباح الباكر، فإيمان الجميع معهم بحلم التحرير.
أما نحن نتواجد في بقعة صغيرة هي عبارة عن شارع من الشوراع في دول أخرى، من شمالها والى جنوبها ترمى عليها صورايخٌ حارقة وبراميل وقذائف كلّ ما هو محرم دولياً من الفسفور الأبيض بدعم أميركي، ويقف وراءهم دول تدّعي الإنسانية كما فرنسا وبريطانيا وألمانيا اتقفوا جمعياً علينا، ولكن يد الله معنا لم تتركنا كما العرب وفنحن نقف وحدنا في وجه المخرز وحدنا خطونا نحو تحرير أراضينا، فإنْ جاء الموت فأهلاً به، وإنْ بقينا فلنا شرف البقاء لأننا الأقوى وأصحاب الحق والخطوة وسنضحك مع أحفادنا لأننا عاصرنا العودة.