الاغتيالات والصفقة والضغوط الداخلية
حمزة البشتاوي
في ظلّ فشل كلّ الخيارات الاستراتيجية، في ميدان الحرب على جبهة قطاع غزة وجبهات الإسناد خاصة من جنوب لبنان، لجأ بنيامين نتنياهو إلى سياسة الاغتيالات ودفع الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” لتنفيذ عمليات اغتيال، مستعيداً نظرية غولدا مائير التي أمرت رئيس جهاز الموساد تسفي زامير بتنفيذ عمليات اغتيال لقادة ومسؤولين في المقاومة الفلسطينية، رداً على عملية ميونخ التي وقعت في العام 1972 خلال الأولمبياد.
وفي سياق المراحل الثلاث من الحرب على غزة تأتي عمليات الاغتيال كمحاولة من قبل نتنياهو بعد فشل الجيش في الميدان، لاستعادة الردع وإحباط جهود التوصل إلى صفقة تنهي الحرب أو العمل على تعطيلها رغم موافقته على التفاوض والاجتماع مع الوسطاء، لكن وضعه الاستراتيجي هو في أسوأ حال ولا يملك القدرة على تحقيق إنجاز ينهي الحرب على غزة، ولذلك يلجأ للمماطلة التي تجعله يستمرّ في الحرب لمدة لا يعلم أحد متى تنتهي، مع وجود تقدير بأنّ النهاية ستكون بهزيمته بعدما أصبح النصر حتى بالنسبة له وهم أو حلم بعيد المنال.
ولم تنجح كل عمليات الاغتيال في إضعاف عمل وفكرة المقاومة، ولكن هذه العمليات تستمر باعتبارها تمثل حقيقة الموقف “الإسرائيلي” من الصفقة المطروحة وسيناريوات اليوم التالي للحرب، كما أنها تستغلّ من قبل نتنياهو للمراوغة وكسب الوقت والهروب إلى الأمام من أزماته الداخلية والرهان على الاستمرار بالحرب بشكل يضمن له البقاء في المشهد السياسي رغم الهزيمة المذلة التي تنتظره.
وبعد صدور البيان الثلاثي الأميركي المصري القطري عادت الإشارات السلبية والإيجابية حول الصفقة للظهور مجدداً، رغم المراوغة “الإسرائيلية” وعدم الحسم المترافق مع إظهار المرونة لطمأنة أهالي الأسرى “الإسرائيليين”، وتخفيف الضغط الخارجي، دون أن يعني ذلك توقف عمليات الاغتيال التي تعبّر عن رغبة نتنياهو في كسب الوقت والحفاظ على الائتلاف الحكومي الحالي لأطول فترة ممكنة، والتحضير لانتخابات مبكرة قد تحصل فور انتهاء الحرب.
ولذلك يفضل نتنياهو صفقة جزئية وليست شاملة لإعادة ترتيب الأوراق وتخفيف الضغط وتقليل منسوب الخوف من ردّ إيران وحزب الله على جريمتي اغتيال القائدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر…
ويتعرّض نتنياهو اليوم لضغوط داخلية عبّر عنها الكاتب “الإسرائيلي” بن دور يميني الذي قال: “إنّ يحيى السنوار حقق كل ما يريده من الحرب ضدّ الجيش الإسرائيلي بشكل مذهل، وعلى الحكومة أن تقبل بالصفقة وإلا سيتعمق الفشل”.
وقال رامي إيغرا رئيس شعبة الأسرى والمفقودين سابقاً في جهاز الموساد: “إنّ السنوار يزداد قوة خلافاً لكلّ التقديرات، وعلى الحكومة الحالية أن توافق على الصفقة كي نستعيد عدداً من الأسرى…”
كما تضغط عائلات الأسرى الإسرائيليين على نتنياهو لإتمام الصفقة، وأن لا يكون الاجتماع القادم بعد أيام استعراض آخر للمماطلة.
كما يتصاعد أيضاً ضغط المعارضة الإسرائيلية التي قال رئيسها يائير لابيد: لن نربح الحرب مع نتنياهو وعليه أن يغادر فوراً.
وهذه الضغوط إضافة للمأزق الخطير للجيش الإسرائيلي في الميدان لم يدفعا نتنياهو حتى اللحظة للتوقف عن المماطلة والتسويف لأن الأسرى الإسرائيليين لا يشكلون فارقاً بالنسبة له ، باعتبار أن هدفه الأساسي هو تدمير المدن غزة وتهجير أهلها، وإطالة أمد الحرب إن استطاع، لكي يبقى في منصبه رغم كل الإخفاقات العسكرية والأمنية، التي تجعل نتنياهو اليوم أكثر تردداً بقول نعم أو لا للصفقة، مع احتمال قوله لكلمة نعم بهدف تأجيل الرد من قبل إيران وحزب الله مقابل وقف دائم لإطلاق النار وانسحاب شامل من قطاع غزة.