هل بدأ موسم الحصاد؟
سعادة مصطفى أرشيد*
تبدا اليوم الخميس حلقة من حلقات التفاوض من أجل العمل على إنهاء الحرب الأطول في تاريخ صراعنا مع دولة الاحتلال وتراهن الأطراف الداعية لهذا اللقاء على أنّ هذا الحوار حتى وإنْ لم يصل إلى النهايات التي يتحدّثون عنها إلا أنه قد يضع حداً أو حدوداً للردّ المتوقع من قبل أطراف محور المقاومة على ما ارتكبه الإسرائيليون من تجاوز للخطوط الحمراء في اليمن (قصف الحديدة) وفي طهران وفي الضاحية الجنوبية.
الدعوة للقاء اليوم الخميس ترافقت وسبقتها زيارات واتصالات ولقاءات مع مَن يهمّه الأمر في طهران والضاحية الجنوبيّة مقدّمة الإغراءات حيناً والتهديدات أحياناً أخرى بما فيها ما يصل إلى حد استعمال القنبلة الذرية، الأمر الذي لم يرهب طهران التي ردت على هذه التهديدات بقوة مؤكدة أنها قادرة على الردّ حتى على هذا السلاح النوويّ وبما هو أقوى مما أثار التساؤل ما هو الرد الأقوى وما هو السلاح الأقوى الذي تتحدث عنه طهران، والضاحية الجنوبية بدورها لم ترتعش خوفاً ولا زالت تطلق صواريخها وتنتظر اللحظة التي تراها أنسب لتوجيه الضربة المؤلمة.
أما تل أبيب الواقفة على (رجل ونص) فلا تملك إلا أن تستعدّ عسكرياً وإغاثياً للضربة التي تبدو أنها آتية لا ريب فيها وتُعدّ الملاجئ وتناقش أين ستكون الضربة؟ وهل ستنال محطات الكهرباء أم مصفاة تكرير البترول أم ماذا؟ وتستقبل دون توقف الإمدادات الغذائيّة من دول مجاورة كما تستقبل أسلحة القتل والفتك من الولايات المتحدة وكان آخرها الموافقة الرسمية الأميركية على إرسال أسلحة وطائرات وذخائر لتل أبيب بقيمة 20 مليار دولار. وبهذا الدعم وهذه الروح العدوانية المتأصلة فهي لا تملك إلا ممارسة القتل ومزيد من القتل.
المقاومة الفلسطينية أعلنت أنها لن تشارك في هذه المحادثات، فهي ترى فيها مضيعة للوقت وأن المطلوب العودة لما تمّ الاتفاق عليه سابقاً في الثاني من الشهر الحالي حين قدّمت حماس رؤياها التي استندت بها إلى إعلان الرئيس بايدن وقرار مجلس الأمن باعتبارهما مدخلاً للتفاوض لا نهاية للتفاوض، فيما لم تأتِ المبادرة الثلاثيّة الأميركيّة القطرية المصرية إلا بالعودة للمطالب الإسرائيلية المعلنة والتي جوهرها استرداد “إسرائيل” للأسرى الذين تحتجزهم المقاومة وتسليم السلاح والبحث عن أماكن لجوء لقيادات المقاومة مع القول إن هنالك ملفاً لمطالب إسرائيلية أخرى غير معلنة، وكأن المقاومة هي المهزومة هزيمة صفرية.
لم تعد الدولتان العربيّتان المشاركتان في الدعوة تستطيعان اللجوء الى منطق التهديد بالطرد أو عدم استقبال مَن يشقّ عصا الطاعة على قراراتهما ومن لا يستجيب لمطالباتها فمَن يقرر ويقود ويحدد القرار السياسي او العسكري ليس ضيفاً على الدوحة ولا يفكّر بالسفر عبر القاهرة وإنما مقيم في نفق ضيق بالمعنى الفيزيائي، ولكنه رحب وبالغ الاتساع بالمعنى السياسي ويعطيه القدرة على قول وفعل وتقرير ما يراه الأنسب والأصلح.
ترافق انتخاب الشيخ يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس وضمناً قائداً عاماً للمقاومة الفلسطينية ولا بدّ مع انحسار دور كل من مصر وقطر وإضعاف قدرتهما على ممارسة الضغوط على حركة حماس خصوصاً، والمقاومة عموماً، كما في السابق وكان الأهم في لقاءات اليوم أن الأميركي كان مضطراً لأن يطلب من إيران المشاركة وحضور التفاوض بشكل غير مباشر، وذلك حسب ما قال موسوي صاحب الاطلاع الواسع.
تفاوض اليوم هو بقيادة مَن لم يعد رأس المال السياسي بأيديهم، ولكنه موجود لدى طهران في حال وافقت على المشاركة غير المباشرة، لا بل إنها هي صاحبة الكلمة العليا. وهي بهذا ليست في مقام استعراض القوة وإنما في مقام تبيان القوة إن في الدوحة وإن في ما ينتظر من الضربات التي لا ريب فيها وإن طال الوقت بعض الشيء، إنها بدايات حصاد الصبر الاستراتيجي.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة