دردشة صباحية
محرقة الكتب
يكتبها الياس عشي
أصيب رجل بثروته، فجاءه الأنسباء والأصدقاء يواسونه، وكان يجيبهم: «الله يسترنا من الأعظم».
ولم يمضِ عامان حتى فقد أولاده الثلاثة في حادث سير مفجع، وفي أثناء تقديم واجب العزاء له، كان يردّد أمام معزّيه: «الله يسترنا من الأعظم».
سأله أحدُهم: «وهل ثمّة أعظمُ من أن يفقد الإنسان ثروته وأبناءه»؟ فقال: نعم… الأعظم أن يفقد الإنسان عقله».
تُرى لو سئلت المدن السورية المفجوعة بشهدائها، وإحراق مكتباتها، وتدمير بنياتها الثقافية، وهجرة أدمغتها: وماذا بعدُ؟ هل أعظم من تلك الكوارث؟ لكنّا سمعنا الجواب ذاته:
الأعظم أن يكتب المؤرّخون أن كتاباً واحداً أحرق على أرضي، فكيف بمكتبات؟
وكما في سورية، كذلك في أكثرَ من مكان، وفي كلّ الأزمنة. وكان المؤرّخ حاضراً وجاهزاً لنقل ما حدث.
على سبيل المثال وليس الحصر:
إنّ الامبراطور الصيني شي هوانغ أمر سنة 209 قبل الميلاد بإحراق كلّ المكتبات الكلاسيكية في الصين. كما أعداء ابن رشد، ومن بعده أعداء جان جاك روسو، أحرقوا كتبهما، وكذلك فعل هولاكو وهتلر، دون أن ننسى مكتبة الإسكندرية التي أحرقت مرّات. بل كم من الكتب الخاصة أحرقها مالكوها خوفاً من أجهزة المخابرات أن تقتحم منازلهم، ويساقون إلى التحقيق!
ضمن هذه المحرقة المعيبة لا بدّ من إضاءات لبعض المفكرين الكبار الذين عرفوا قيمة الكتاب، فالحكيم المصري القديم «خميني دواوف» يقول في أحد تعاليمه: «ليتني أستطيع أن أجعلك تحبّ الكتب أكثر ممّا تحبّ أمّك، فالكتابة أشرف مهنة في الوجود».
ولم يبارِ أحد الجاحظ في وصفه الكتاب ومؤلف الكتاب، حين قال: «… لأنّ كلَّ من التقط كتاباً جامعاً، وباباً من أمّهات العلم مجموعاً، كان له غنمُه، وعلى مؤلفه غرمّه».
وهل أحد منّا لم يسمع حكمة المتنبي: «… وخيرُ جليسٍ في الأنام كتابُ»؟