إعادة ضبط بوصلة الردع… (منشأة عماد 4)
رنا العفيف
من الميدان ردّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، على كلّ التهديدات «الإسرائيلية» والأميركية التي يحملها موفدون غربيون وإقليميون للبنان عبر نشر الإعلام الحربي للفيديو الموثق الذي يكشف أحد أهمّ الأسرار العسكرية، والمتمثل بـ «منشأة عماد 4» العمود الفقري للترسانة المسلحة، فـ أيّ رسائل يحمل الفيديو في التوقيت والمضمون الذي يربط السياسة والميدان معاً؟
كشف حزب الله عن أهمّ وأعتى ترسانة عسكرية تعتبر الأقوى في الردّ وما حملته من مضامين ميدانية وعسكرية منذ بدء طوفان الأقصى إلى يومنا هذا، أنفاق واسعة وشاحنات وصواريخ في رسالة واضحة الهدف بأنّ قدرات المقاومة الصاروخية في أتمّ الاستعداد والجاهزية للدفاع عن لبنان، ولا سيما أتى الردّ العقابي نظرياً قبل البدء بالتنفيذ عملياً من الميدان على عملية الاغتيال التي طالت القائدين الشهيدين فؤاد شكر واسماعيل هنية وحتى كلّ التهديدات «الإسرائيلية» والأميركية التي حملها موفدون غربيون وإقليميون بأنه جاهز لردّ الصاع بعشرة أضعاف لأيّ عدوان محتمل على لبنان أو أيّ ضربة غير استباقية بغطاء أميركي،
والمنشأة التي كشفت عنها المقاومة واضحة وجلية بترك التلميح لما في الصواريخ المعروضة بالكمّ والأنواع والأمدية، وذلك لضبط إيقاع بوصلة الردع في البعد العسكري وما في جعبتها من رسائل لقوات الإحتلال الإسرائيلي التي كانت تتحدث عن إمكانية الذهاب نحو ضربة استباقية الهدف منها كشف التحركات التي ستنطلق منها صواريخ حزب الله رداً على جرائمها في عملية الاغتيال، ولارتكابها المجازر بحق أهلنا في فلسطين المحتلة، فكان اللافت في خلفية الفيديو الذي بثته المقاومة الإسلامية في لبنان، الموقف المعلن الذي ينطلق من قاعدة الغموض البناء الذي آشار إليها السيد نصر الله في إحدى خطاباته بالدرجة الأولى ومن ثم التحوّل الكبير الذي أشار إليه والذي منه يمكن للمقاومة تحقيق الهدف سواء بشكل محدود أو متطوّر للردّ الحتمي على عملية اغتيال القائدين شكر وهنية بحيث قال إنّ المسألة لم تعد جبهة إسناد وإنما أصبحت معركة مفتوحة على كلّ الاحتمالات، وبالتالي يأتي الفيديو تزامناً مع ما سبقه من تصريحات أشدّ خطاباً وإيلاماً لـ «الإسرائيلي» بالصورة والصوت والكلمة بمعادلة ثابتة رصينة حازمة مفادها التهجير بالتهجير والتدمير بالتدمير والتشريد بالتشريد ضمن أطر التمهّل في عملية الردّ والتي غدت جزءاً من العقاب المنتظر الذي أوقف الإسرائيلي على «رجل وربع» حتى يومنا هذا وتحديداً بعد الفيديو الذي يحمل رسائل عسكرية عالية الدقة والتكتيك وضعت «الإسرائيلي» في حيرة من أمره مع التعليق بإشارة التحذير.
أما من حيث الرسائل التي أراد حزب الله إيصالها لـ «الإسرائيلي» بالشكل والمضمون من حيث التوقيت والدلالة والأهمية فهي كالتالي:
إذ تؤكد المقاومة في لبنان على الثبات والجاهزية لقلب الطاولة في حال كانت تلعب الولايات المتحدة على وتر التوقيت المتعلق بالمفاوضات الجارية وحيثيات زيارة هوكشتاين إلى لبنان الخاوية، والحديث هنا على المستوى السياسي مع ترك المجال مفتوحاً بالتلميح لما هو آتٍ ميدانياً .
عسكرياً نظراً للعمق والحجم من الأنفاق الواسعة في الجبال، وتترجم إلى أنّ الجبال أو سلسلة الجبال محمية برجال حزب الله بشكل أحزمة نارية لا تستطيع «إسرائيل» الوصول إليها ولا جدوى لأي ضربة استباقية لأنّ ذلك سيكلف «الإسرائيلي» ثمناً باهظاً للوهلة الأولى وعلى «الإسرائيلي» قراءة الرسائل جيداً والأخذ بعين لأعتبار بأنّ الصاع سيُردّ صاعين على أيّ عدوان، وعليه أن يعيد مشاهد الفيديو أكثر من مرة وأن يعيّن على ترسانة المقاومة المسلحة التي تختلف عما سبقها، وأن تركز في «منشأة عماد 4» وتقف عند محتواعا لما فيه من مضمون كبير وهدف كبير في توقيت مهمّ حدّده حزب الله في خضمّ موضوع الردّ وحتميته التي تقول بسردية الأكاديمية العسكرية للشؤون الاستراتيجية بأنّ المقاومة الإسلامية في لبنان تجاوزت القرار وهي في الطريق إلى تنفيذ الأداء الذي ينتظره العالم بأسره، وعليه فإنّ اللبيب من الإشارة يفهم وإن لم يفهم يعيد مشاهد الفيديو، وأن يدقق في منصات الصواريخ التي تترجم حجم التنفيذ، لا سيما أنّ ترسانة حزب الله الضخمة المحمّلة بالصواريخ الدقيقة لها أبعادها وتستطيع الوصول إلى كلّ كيلومتر من شمال فلسطين المحتلة حتى جنوبها،
وإذا أردنا تفنيد الفيديو مع ما تمّ نشره سابقاً من هدهد 1 و 2 و 3، نجد أنّ «منشأة عماد 4» هي استكمال لما أتت به سلسلة «الهدهد»، أيّ أنّ حزب الله لا يملك فقط المعلومة الاستخبارية وإنما أيضاً يملك ترياق العمود الفقري لها عسكرياً وتعتبر من أهمّ مفرزات ما جاء به نبأ نصر الله وما خفي أعظم من سلسلة تابعة لهذة المنشأة وقد تعلن عنها المقاومة بحلقات لاحقة وسط التهديدات الدولية، عندما كنا نتحدث عن عناصر المفاجأة كنا قد لمحنا في المقالات السابقة عن الأسرار العسكرية والآتي أعظم، في مقابل هذا من أبرز ما حمله الفيديو هو تلك القدرات الصاروخية للمقاومة وحجم الأنفاق التي تشير إلى أنّ الكيان غرق في أنفاق غزة في حين أنّ أنفاق لبنان ستكون مختلفة كثيراً وتتسع لشاحنات ومنظمة بشكل دقيق ولها قواعد وضوابط داخل الجبال وهذا يؤكد كلام السيد نصر الله ووعده الصادق بأنّ المواجهة المقبلة في حال تمادي «الإسرائيلي» ستكون بلا أسقف وبلا ضوابط وهذا له تبعات خطيرة على مستوى المنطقة، حيث وضعت الصواريخ الدقيقة وتتيح للشاحنات التحرك فيها بسهولة، وقد يكون عرض هذا الفيديو في التوقيت له دلالة بالمعنى العسكري على أنّ الاستعداد ينتظر رهن الإشارة من حزب الله أو الإيعاز بدأ بالعدّ التنازلي بعد أن أصبح الهدف مكتمل الأركان بالنسبة لحزب الله ..
يبقى على «الإسرائيلي» أن يحذر ساعة الغضب الآتي أو الساعة الصفر التي حدّدها حزب الله والتي دخلت ربما حيّز التنفيذ الذي ترتقي إلى المواجهة وقد يكون الفيديو الذي بثته المقاومة هو تمهيد لبوابة جديدة كان قد فتحها الإسرائيلي بيده بغطاء أميركي وتعتقد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بأنّ قدرات حزب الله كبيرة وبإمكانه أن يشكل تهديداً استراتيجياً على «إسرائيل» في حين يعيش مستوطنون «إسرائيليون» حالة هلع وخوف وقلق كبير لم يعتد عليها «المجتمع الإسرائيلي» وسط تعتيم إعلامي إسرائيلي كبير وسط حالة التخبّط حيال تجاوز الكيان وحكومته الخط الأحمر الممنوع والذي سينعكس رأساً على عقب في «الداخل الإسرائيلي».