معهد واشنطن: احتلال سورية على طريق أفغانستان
ناصر قنديل
– في توقيت لافت وتحليل مثير للانتباه، يفتتح معهد واشنطن النقاش حول الاحتلال الأميركيّ لسورية، الذي يشكّل مفتاح الاحتلال الأميركي للعراق، وفقاً لما تقوم عليه السردية الأميركية في الحوار مع الحكومة العراقية، حول ربط التراجع عن تقديم جدول زمني للانسحاب من العراق، بالحاجة للبقاء في سورية وحتمية البقاء في العراق لحماية القوات الباقية في سورية. واللافت في الزاوية التي يتناول المعهد من خلالها الاحتلال الأميركي أنّها لا تتصل مباشرة بالمواجهة الدائرة مع محور المقاومة، ومطالبة أطرافه بالانسحاب الأميركي، بل يرد ذلك في سياق عدم منح محور المقاومة نصراً، بانسحاب يأتي نتيجة الفشل لاعتبارات أخرى.
– اختيار سياق يتصل بعلاقات جماعة قسد مع العشائر العربيّة كمدخل للفشل، ومخاطر الوصول الى وضع يشبه ذلك الناشئ في أفغانستان قبيل الانسحاب، عبر توهّم جدوى الاعتماد على حكومة فاسدة منفصلة عن الواقع وعن البيئة الاجتماعية التي تحيط بها، يفهم باعتباره مدخلاً لتسهيل النقاش بعيداً عن لغة التحدّي التي سوف تظهر حكماً عند ربط الانسحاب بالمواجهة مع محور المقاومة وإيران، وربطها بمعركة غزة والمصالح الإسرائيليّة، وهي عناوين يصعب افتراض العقلانيّة الأميركيّة لدى مناقشتها.
– المعهد معروف بحماسته للدفاع عن المصالح والمواقف الإسرائيلية وتبنيه للسياسات الأشد تطرفاً لصالح الكيان، ولكنه معروف بقربه من مراكز صناعة القرار في واشنطن، وقيامه بتقديم التوصيات لوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، اللذين يحدّدان للمعهد مداخل المقاربات التي يفترض لنقاشها أن ينتهي بتقديم توصيات. والنقاش الذي يجريه المعهد يبدو مقيداً بعنوان تصادم العشائر العربيّة وجماعة قسد، تحت عنوان خسار الأميركيين للعشائر العربية بسبب سوء إدارة قسد، وحتميّة الانسحاب إذا لم تنجح مساعي استعادة العشائر العربية.
– سياق الدراسة يقول بأن ثلاثيّة فساد قسد وتعصّب قيادة القوات الأميركية للاعتماد الحصري عليها، ومناخ حرب غزة، تكفلت بإبعاد العشائر العربية التي تشكل غالبية سكان شرق سورية، حيث تنتشر القوات الأميركية، عن الحضن الأميركي. ويمكن فهم فساد قسد والاعتماد الحصري على قسد بصفتهما من علامات الفساد المزدوج المرتبط بنهب النفط السوري، ورفض دخول شركاء جدد على خطّه، كما يمكن فهم التناقض بين مشروع الدويلة الكردية والتركيب المختلط العربي الكردي الذي تدعو إليه الدراسة لقيادة المناطق التي يحتلها الأميركيون. أما مناخ حرب غزة فتقول الدراسة لا نريد الخوض فيه، لأنه داء لا دواء له، كما يعلم المعهد، لأن انحياز واشنطن الأعمى لكيان الاحتلال ألهب مشاعر العداء للأميركيين في كل المنطقة.
– الدراسة تقول إن الانسحاب في هذه المرحلة خطوة خاطئة، وتدعو واشنطن لأن تدرك «أن الانسحاب من سورية حالياً – مع عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى الظهور، وتزايد خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقاً، وتشجيع ما يُسمّى بـ»محور المقاومة» الإيراني – سيكون خطأ. لكنها بالمقابل تدعوها لأن تدرك أنه «للحفاظ على الوجود الأميركي واستدامة قدرة القوات المحلية الشريكة للولايات المتحدة، يتعيّن على المسؤولين الأميركيين أن يخففوا من حدة النهج الإشكالي الذي تتبناه «قوات سورية الديمقراطية» في الحكم».
– لكن جوهر الدراسة يقوم على الاعتراف بالفشل، حيث تقول «في ضوء هذه الأحداث، يبدو أن جهود إيران لتأجيج التوترات في شرق سورية تتوسّع بالتزامن مع جهودها لطرد القوات الأميركية. وبينما تفكر واشنطن في احتمال الانسحاب في المستقبل، يجب عليها اتخاذ تدابير حالياً لتجنب سيناريو تُعاني فيه «قوات سورية الديمقراطية» من انهيار أشبه بما حدث في أفغانستان، بينما تعود القوات الموالية للأسد والقوات الموالية لإيران منتصرة إلى الشرق. ويشمل ذلك الحفاظ على الدعم الدبلوماسي لمهمة مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سورية والدعم العسكري لـ»قسد» في صد الهجمات من المناطق التي تسيطر عليها إيران والأسد عبر الفرات.