أولى

في مواجهة «إسرائيل»: الانتقام ممكن… الاستنزاف أجدى؟

‭‬ د. عصام نعمان*

إنه زمن التساؤلات والتكهّنات: هل يردّ حزب الله على اغتيال «إسرائيل» كبير قادته العسكريين الشهيد فؤاد شكر ومتى؟ هل تردّ إيران على قيام «إسرائيل» باغتيال ضيفها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية ومتى؟
إذا ردّا، كيف وأين يردّ كيان العدو عليهما؟
المفاوضات في الدوحة التي نظمتها الولايات المتحدة ومصر وقطر وحضرتها «إسرائيل» لم تنجح وإن لم تفشل بدليل الإصرار على متابعتها في القاهرة. حماس لم تشارك في مفاوضات الدوحة، فهل تشارك في مفاوضات القاهرة، وماذا يمكن أن تقدّم لها الولايات المتحدة من ضمانات بشأن انسحاب «إسرائيل» فعلياً من قطاع غزة؟
لنفترض أنّ المفاوضات في القاهرة نجحت في إيجاد آليّة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وانسحاب «إسرائيل» منه وفق آليّة معينة، فهل يعتمد كيان العدو هذه الآلية وينسحب فعلاً أم يعود إلى اختلاق ذرائع ومطالب جديدة لاستئخار الانسحاب؟ لنفترض أنّ «إسرائيل» انسحبت من قطاع غزة، فمن يدير القطاع في اليوم التالي؟ هل تخرج حماس من الأنفاق تحت مدينة غزة الى العلن فوقها وتعود الى إدارة القطاع جهاراً؟ أما إذا لم تنسحب «إسرائيل» من القطاع، فكيف تراها تتصرّف تنظيمات المقاومة الفلسطينية في القطاع والضفة الغربية والمقاومة العربية في جبهات الإسناد انطلاقاً من لبنان واليمن والعراق وسورية؟ وهل تعتمد تنظيمات المقاومة الفلسطينية والعربية في المرحلة المتجدّدة للصراع الوتيرةَ والآليات والنهج المعتمد ذاته الذي جرى اعتماده في المرحلة السابقة؟
أخيراً وليس آخراً: هل يمكن تطوير نهج المواجهة من الردّ بالانتقام الى اعتماد خيار حرب الاستنزاف الطويلة الأمد بقصد إنهاك العدو وإكراهه على الخروج من الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسورية ولبنان؟
تخلّلت زمن التساؤلات والتكهّنات ظاهرةٌ بالغة الأهميّة والدلالات: قيام حزب الله بكشف مفاجأة استراتيجيّة عنوانها «منشأة عماد -4»، وهي قاعدة ضمن مجموعة قواعد صاروخيّة في الجبال، تضمّ آلاف الصواريخ بعيدة المدى، مجهّزة بفتحات إطلاق، حيث تتحرّك الراجمات الثقيلة بأمان داخل الأنفاق وصولاً الى الفتحات لتنفيذ رماياتها. الى ذلك، قاعدة عماد -4 مجهّزة بغرف عمليّات، وقيادة وسيطرة، ونظام اتصالات خاص مرتبط بالقيادة العليا، ومخازن للصواريخ والذخيرة، ومرافق أغذية وأدوية ومنامة للمقاتلين، فضلاً عن مولدات كهربائيّة وخزانات وقود، ومستشفى مع فريق من المتخصّصين ما يمكّن عديد القاعدة من الصمود داخلها لمدة سنة وأكثر.
أحدث الكشف الجزئيّ عن مزايا قاعدة عماد – 4 ومحتوياتها خضّة سياسيّة ونفسيّة واسعة في كيان العدو. بعض رجالات الكيان كرئيس الحكومة السابق إيهود باراك دعا الى المسارعة لقبول مقترح بايدن لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. بعض الوزراء وأعضاء الكنيست المتطرفين دعا إلى شنّ حرب استباقية على حزب الله وإيران قبل أن يستكملا استعداداتهما لمهاجمة «إسرائيل». غير أنه يُستشفّ من تقييمات وتعليقات خبراء عسكريين ومعلقين استراتيجيين داخل كيان العدو وخارجه، خمس نتائح وازنة:
*أولاها استبعاد قيام العدو بشنّ حرب استباقيّة على حزب الله بعد ثبوت قدرته على إخفاء وحماية صواريخه ومخازن أسلحته في قواعد كائنة في بواطن الجبال.
*ثانيتها اتجاه العدو، بعد الكشف عن قاعدة عماد-4، الى تخفيف ردّه على حزب الله في حال قيام الحزب بتوجيه ضربة قاسية لكيان الاحتلال انتقاماً لغتيال الشهيد فؤاد شكر.
*ثالثتها احتمال عدم قيام حزب الله، كما إيران، باستعجال توجيه ضربة شديدة الى «إسرائيل» انتقاماً لاغتيالها الشهيدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر، وذلك إفساحاً في المجال أمام الولايات المتحدة ومصر وقطر لاستكمال المفاوضات التي تجريها لإقناع «إسرائيل» وحماس بتنفيذ مقترح بايدن.
*رابعتها ازدياد اقتناع الولايات المتحدة بوجوب عدم تطوّر الصراع المحتدم بين «إسرائيل» وتنظيمات المقاومة الفلسطينية والعربية الى حرب إقليمية شاملة، الأمر الذي يهدّد مصالح أميركا، كما وجود «إسرائيل».
*تزايد معارضة الجمهور الإسرائيلي لحكومة بنيامين نتنياهو ما يساعد الولايات المتحدة على الضغط عليه بغية الموافقة على آلية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة تفادياً لحربٍ مفتوحة.
كلّ هذه النتائج المار ذكرها لن تؤدي في تقديري (وكثير غيري) إلى حمل نتنياهو على تغيير أو تعديل سلوكيته العدوانية الراهنة إزاء تنظيمات المقاومة الفلسطينية والعربية ما سيؤدي تالياً الى استمرار الصراع ربما بوتيرةٍ أشد مما هي عليه اليوم. ذلك يطرح بالضرورة على تنظيمات المقاومة الفلسطينية والعربية سؤالاً مفتاحيّاً: هل تستمّر في اعتماد نهجها الحالي في التصدي للعدو الصهيوني ام تعيد النظر به في ضوء الثغرات التي تكشّفت في أداء العدو خلال الصراع في الأشهر العشرة المنصرمة؟
أرى أن من واجب تنظيمات المقاومة العربيّة كلها ألاّ تكتفي بأن تضع في الحسبان الثغرات الكثيرة في أداء العدو التي تكشّفت أخيراً فحسب، بل أن تترسمل أيضاً على الفواعل الإيجابية التي تكوّنت قبل المواجهة الأخيرة ضده وخلالها وبعدها. لعل أبرز الفواعل الإيجابية الواعدة ثلاثة:
أولاً، انطلاق طوفان الأقصى وما رافقه وأعقبه من صحوةٍ شملت معظم بلاد العرب وامتدّت بعدها الى دول إسلامية وأخرى أجنبية بحيث أصبحت بفضلها قضية فلسطين ونصرة الشعب الفلسطيني المظلوم قضية عالمية تتردّد أصداؤها في معظم دول العالم، لا سيما في دول الغرب الأطلسي، وتلقى تأييداً وتجاوباً في الكثير من المحافل الدولية.
ثانياً، انتقال تنظيمات المقاومة الفلسطينية والعربية من حال التضامن السياسي اللفظي إلى حال التحالف الميداني الفعلي الذي ترجم نفسه في الواقع من خلال وحدة الساحات بين تنظيمات المقاومة في كلٍّ من فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسورية، وهو تحالف مدعوّ الى ممارسة مزيد من الفعالية القتالية في مختلف الساحات.
ثالثاً، صعود بعض تنظيمات المقاومة الفلسطينية والعربية من حال استيراد سلاحها الى حال تصنيعه وتطويره وتدقيق تصويبه وحمايته، كما اتضح أخيراً في تجارب كلٍّ من حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في لبنان المسنودين بدعم موصول في ميادين عدّة من إيران. ذلك كله يجعل من تنظيمات المقاومة العربية وإيران قوةً إقليمية بارزة ومقتدرة في الإقليم، كما في العالم.
في ضوء هذه الفواعل اللافتة أرى أنه من الممكن، وربما من الواجب، أن يقوم كلّ من حزب الله وإيران بتسديد ضربة انتقاميّة لكيان العدو الصهيوني رداً على اغتيال الشهيدين فؤاد شكر وإسماعيل هنية. لكني أرى، وربما كثيرون غيري، أنّ الأجدى والأفعل هو انتقال تنظيمات المقاومة الفلسطينية والعربية من حال الانتقام والاشتباك الموضعي المتبادل مع العدو الى حال حرب الاستنزاف طويلة الأمد، المدعومة من إيران وربما من غيرها في المستقبل، بقصد إرهاق وإنهاك العدو لحمل جمهوره المتعب على الهجرة من مختلف مناطق فلسطين المحتلة ما يؤدي تالياً الى انهيار كيان الاحتلال.
ألا تستأهل هذه المقاربة والخيار اهتماماً جدياًّ من قيادات تنظيمات المقاومة العربية في هذه الآونة؟
*نائب ووزير سابق.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى