المقترح الأميركي من روح أوسلو
ناصر قنديل
كان أهم سلاح تملكه منظمة التحرير الفلسطينية هو عدم الاعتراف بأيّ شرعية لكيان الاحتلال، وعلى خلفية هذا السلاح كانت قرابة 100 دولة لا تقيم أي علاقة مع الكيان وترفض الاعتراف به، تضمّ أغلبية الدول الأفريقية والعربية والإسلامية ودول الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية، إضافة إلى الصين ودول عديدة في الهند الصينية. وعندما ألقت منظمة التحرير الفلسطينية هذا السلاح، انفتح العالم أمام الكيان وصولاً إلى التطبيع مع عدد من الدول العربية، فماذا نالت منظمة التحرير الفلسطينية؟
نالت منظمة التحرير وعوداً أميركية بتطبيق حسن النية لنصوص غامضة، في ملفات السيادة والاستيطان ومستقبل القدس واللاجئين والحدود. والحصيلة بعد ثلاثة عقود تقول ما يكفي عن نتائج هذه الصفقة، حيث تهويد القدس قطع أشواطاً أكبر من تلك التي كانت قبل أوسلو بأضعاف، والاستيطان زاد عشر مرات، وسيادة السلطة التي بدأت على المنطقة “أ” انتهت باقتحام المقاطعة، مقرّ الرئاسة الفلسطينية، وكسب الفلسطينيون أجهزة أمنيّة تلاحقهم بالوكالة عن الاحتلال.
الواضح من المقترح الأميركي تحت شعار ردم الفجوات في مسار التفاوض أنه تكرار لروح أوسلو، ومحاولة قرصنة واستغباء للفلسطينيين للقبول بتسليم سلاحهم الأهم المتمثل بالأسرى، وبالمقابل تنال وعوداً أميركية بتطبيق حسن النية لنصوص غامضة.
الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين سوف يخضع لحق الفيتو عند الاحتلال، حول مَن يُفرَج عنهم وحول الأماكن التي يذهب إليها المُفرَج عنهم، لكن واشنطن تعد بأنها سوف تعمل جهدها ليكون ذلك أقرب ما يكون للطلب الفلسطيني!
لن يتحقق الانسحاب الكامل للاحتلال من قطاع غزة، وسوف يحتفظ الاحتلال بنقاط في وسط القطاع وعلى الحدود مع مصر، لكن واشنطن تتعهد بأن العدد الباقي من جنود الاحتلال سوف يتم خفضه تدريجياً ليصبح رمزياً وأن تكون وظيفته رمزية لمنح الاحتلال الاطمئنان بأن لا يتكرّر ما جرى في 7 أكتوبر!
وقف الحرب نهائياً سوف يكون عهدة أميركيّة رغم تضمين الاتفاق نصاً يقول بأن فشل التفاوض حول الصيغة النهائية لوضع غزة بعد الحرب يعني أن لجيش الاحتلال الحق بالعودة للحرب، أي إذا لم تقبل المقاومة بتحقيق هدف الحرب بالتفاوض، فإن الاتفاق يوفر هدنة ستة أسابيع ليس إلا، لكن الأميركي سوف يفعل ما بوسعه لتتحوّل الهدنة الى وقف نهائي للحرب!
الأهم هو أن الأميركي يقول للمقاومة إنه إذا لم تقبل بالصفقة المعروضة فعليها أن تتحمّل مسؤولية فشل المفاوضات، وإذا سألت المقاومة أين أصبحت مبادرة الرئيس الأميركي بنسختها الأصلية التي قبلتها المقاومة، يكون الجواب، هذه مفاوضات ومهمة الوسيط سدّ الفجوات. وإذا سألت المقاومة لماذا لم يكن تدخل الوسيط في سدّ الفجوات لصالح أي بند من الطلبات الفلسطينية، يكون الجواب أن الطلبات الإسرائيلية أمنية، وأميركا تلتزم بدعم أمن “إسرائيل” وترى أن قوى المقاومة إرهاب، وأن الوسيط العربي لم يفعل لصالح المقاومة ما فعله الأميركي لصالح “إسرائيل”. أما في الشأن السياسي فيجب التذكير بأن أميركا تتمسك بحل الدولتين، وقد صرخ بلينكن بوجه نتنياهو وهو يذكّره بذلك.
سوف يأتي من يقول للمقاومة إنه كرمى لصراخ بلينكن بوجه نتنياهو وهو يذكّره بأن واشنطن تؤيد حل الدولتين، يجب على المقاومة القبول بالصفقة، تماماً كما جرى في أوسلو، حيث لا يزال صدى الصراخ الأميركي عن تأييد حل الدولتين يتردد في الأراضي التي التهمتها المستوطنات. وكما استفاد الفلسطينيون على نتائج أوسلو مع مليون مستوطن بدلاً من مئة ألف فقط ومئة دولة تعترف بالكيان، وجهاز أمني فلسطيني يلاحقهم بالوكالة عن الاحتلال، سوف يستفيقون إذا قبلوا بالصفقة الجديدة، على حرب جديدة بعد ستة أسابيع تستمرّ لما يلزم حتى تهجير الفلسطينيين من غزة وتحقيق الحلم التاريخيّ للكيان ببلوغ الأغلبية اليهودية بين سكان فلسطين التاريخيّة تمهيداً لفعل الشيء نفسه في الضفة الغربية ببركة أوسلو.
يفضّل الفلسطينيون الموت دون أن يمنحوا الاحتلال شرعيّة اغتصاب أرضهم وكرامتهم ونسائهم وأطفالهم وأسراهم، لكنهم واثقون من أن ما تسببوا به للكيان مرض عضال يكفيهم الصمود البطولي الذي يثبتون يومياته في غزة والضفة ومعهم محور المقاومة وأحرار العالم، حتى تظهر نتائجه على الكيان، كما توقعت الفورين أفيرز، فيذهب إلى الحرب الأهلية أو التشقق أو التآكل والاهتراء حتى الزوال، فلن يُلدَغ فلسطيني من أوسلو مرتين.