نتنياهو ينسف مقترح الصفقة وواشنطن تساعده لتحقيق ما عجز عنه في الميدان
حسن حردان
أقدمَ رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على نسف المقترح الأميركي الذي كانت قد وافقت عليه حركة حماس في 2 تموز المنصرم، من خلال وضع شروط جديدة تعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر، وتؤكد انّ نتنياهو يواصل سياسة المناورة والخداع وإضاعة الوقت، فيما الإدارة الأميركية تساعده وتدعم موقفه، برفضه قبول وقف دائم لإطلاق النار، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وإصراره على البقاء في محور نتساريم ومعبر رفح ومحو فيلادلفيا. واشنطن بدلاً من الضغط على «إسرائيل»، التي تنقلب على المقترح الذي قدّمته، تقوم عبر دبلوماسيتها بممارسة الضغط على حركة حماس بوساطة الدول التي لديها القدرة على ذلك، ايّ قطر ومصر وتركيا، بهدف دفعها إلى تقديم تنازلات تستجيب للشروط والإملاءات الإسرائيلية الأميركية، التي تمكّن نتنياهو من ان يحقق بالمفاوضات ما عجز عن تحقيقه في الميدان..
هذا على ما يبدو الهدف الأساسي من زيارة وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن إلى المنطقة..
لقد بات من الواضح أنّ تل أبيب وواشنطن تريدان من المفاوضات، عدم وقف الحرب، وإنما هدنة مؤقتة لتحقيق الأهداف التالية:
الهدف الأول، إطلاق أكبر عدد من الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، مقابل الإفراج عن أقلّ عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وإدخال بعض المساعدات الإنسانية الضرورية إلى قطاع غزة.. وهو ما يؤدي إلى تعزيز موقف نتنياهو «إسرائيلياً» ووجهة نظره التي تقول انّ الضغط العسكري والسياسي سيؤدي إلى تحقيق أهداف الحرب في غزة…
الهدف الثاني، تمكين نتنياهو من العودة إلى استئناف حرب الإبادة بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق وهو في وضع أفضل «إسرائيلياً»… حيث سيقود استعادة بعض الأسرى والجثث الصهاينة إلى إضعاف الحركة الاحتجاجية التي تطالب وتضغط على نتنياهو لقبول صفقة تطلق جميع الاسرى مقابل وقف الحرب..
الهدف الثالث، حصول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على اتفاق لوقف مؤقت لإطلاق النار، وزيادة إدخال المساعدات إلى غزة، يمكنها من تسويقه أميركياً من قبل المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس على أنه إنجاز توظفه لاستعادة تأييد المعارضين لاستمرار حرب الابادة في غزة.. وبالتالي تعزيز حظوظ هاريس للفوز في انتخابات الرئاسة.
من هنا من الواضح أنّ المقاومة تواجه معركة سياسية في المفاوضات، هي استمرار للمعركة العسكرية.. تقاوم بصلابة الضغوط الأميركية، وتصرّ على مطالبها وشروطها لإنجاز ايّ صفقة تبادل للأسرى، خصوصاً أنّ المقاومة ليست في موقع ضعف في الميدان كي ترضخ او تقبل بالإملاءات الأميركية الصهيونية، وهذا ما تؤكده وقائع المعارك في غزة، حيث تستمرّ المقاومة الضارية وتعرض كتائب القسام وسرايا القدس باستمرار فيديوات العمليات والكمائن التي تستهدف قوات ودبابات ومدرّعات قوات الاحتلال في الشمال والوسط والجنوب، وتوقع القتلى والجرحى في صفوفها.. في دلالة قوية على فشل جيش العدو في تحقيق أهداف حربه الثلاثة:
الهدف الأول، الفشل في القضاء على المقاومة أو إضعاف قدرتها على مواصلة القتال، بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على بدء الحرب..
الهدف الثاني، الإخفاق في استعادة الأسرى الصهاينة عبر القوة العسكرية ومواصلة الضغط العسكري وتشديد الحصار على غزة، وارتكاب المزيد من المجازر ضد المدنيين..
الهدف الثالث، الفشل في فرفض السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو ما يتأكد من عدم قدرة جيش الاحتلال على الاستقرار في ايّ منطقة دخل إليها حيث يضطر إلى الانسحاب منها نتيجة تعرّضه المستمرّ لهجمات المقاومة القاتلة..
إنّ هذا الفشل العسكري الصهيوني المستمرّ في قطاع غزة، وسعي واشنطن لإنقاذ كيان الاحتلال من تداعيات هذا الفشل في مواجهة المقاومة الفلسطينية، من خلال الضغط على حركة حماس للاستسلام للشروط الإسرائيلية، يذكرنا بالضغوط الأميركية خلال حرب تموز عام 2006 في لبنان، بعد أن فشل العدوان الصهيوني في سحق المقاومة أو فرض سيطرته بعمق 22 كلم من الحدود اللبنانية الفلسطينية وصولاً إلى نهر الليطاني.. لكن هذه الضغوط أخفقت في تحقيق مرادها لانّ المقاومة انتصرت ولم تهزم..
واليوم المقاومة في غزة، قادرة على منع العدو من ان يحصل بالسياسة ما عجز عن بلوغه في الميدان، وذلك من خلال صمودها واستمرارها في القتال ومنع العدو من تحقيق أهداف حربه.. ويساعد المقاومة في ذلك جبهة إسناد قوى محور المقاومة في المنطقة التي انخرطت في شنّ حرب استنزاف مكلفة للعدو على كلّ المستويات دعماً وإسناداً لغزة ومقاومتها الباسلة.. وللضغط على حكومة العدو لوقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني وتمكين مقاومته من الانتصار.. وإحباط أهداف العدو.