مقالات وآراء

الأقصى حرب التهويد الصامتة

 وفاء بهاني

لم تشغل حرب الإبادة على غزة العدو الصهيوني عن التركيز على القدس التي تشهد حرباً خفية صامتة وسط تعتيم إعلامي وتأييد أميركي وغربي مطلق. وما يجري في القدس لا يقلّ إجرامية وعدوانية عمّا يرتكبه الاحتلال في غزة مع اختلاف الأسلوب والأدوات.
فالحكومة الصهيونية تصرّ على سياستها التعسّفية القذرة ضمن منهجية عدوانية لتحقيق أهدافها، مُظهِرة للعالم ومستوطنيها أنها تتحكم بزمام الأمور، في السابق، لجأت إلى سلسلة من الاعتقالات لقادة المقاومة لإظهار قوتها، أما اليوم، فهي تسعى لتدنيس المسجد الأقصى تحت شعار «طوفان الهيكل»، مُعلنة تجديد عهدها لبناء الهيكل المزعوم!
هذه التصريحات تأتي وسط تواطؤ حكام الإسلام والمسلمين في كلّ أنحاء الوطن العربي تجاه أحد أعظم المقدسات الإسلامية، وقد اختارت الحكومة الصهيونية هذا الشعار لشنّ حرب نفسية قذرة ضدّ مقاومي فلسطين، وكأنهم القوة الوحيدة التي تهتمّ بشؤون الإسلام ومقدساته.
تتعدّد أبعاد هذا الشعار بين السياسية والنفسية، أولاً، يهدف إلى إضعاف حماسة المقاومة من خلال خلق حالة من الإحباط والضغوط النفسية، فتسعى الحكومة الصهيونية إلى إظهار أنها تتجاوز الوضع القائم، مشيرةً إلى أنّ طوفانها قد تغلّب على كلّ مقاومة إسلامية، كما فعلت سابقاً.
من الجانب السياسي، يُعتبر هذا الاقتحام محاولة لعرقلة إتمام صفقة السلام وتجنب إيقاف إطلاق النار، بعد دعوات مصرية أميركية قطرية للتفاوض. هذه الخطوة تعكس قذارة الكيان الصهيوني، خاصة في ظلّ فشله في تحقيق أيّ انتصارات على الأرض، فـ بن غفير، منذ توليه منصبه، اقتحم المسجد الأقصى أكثر من ست مرات، مما يعكس إصرار هذا الكيان على تحقيق أهدافه غير المشروعة.
هذا الاقتحام الضخم، الذي شهد مشاركة 2958 متطرفاً، ما كان ليحدث لولا تراجع وخوف العرب والمسلمين حتى من مجرد الحديث عن مقدساتهم، عجزهم عن تقديم الدعم لغزة شجع الصهاينة على المزيد من التعديات، مما أدّى إلى تدنيس الأقصى بالطقوس التلمودية وحلقات الرقص، وغيرها من الأفعال التي تبكي القلوب على أعظم مقدسات المسلمين.
تسعى الحكومة الصهيونية من خلال هذه الأفعال إلى فرض واقع جديد على القدس، وتحقيق أهدافها السياسية بدفع الأمور نحو السيطرة الكاملة على الأقصى، ليصبح مكاناً مشتركاً بين الديانتين اليهودية والإسلامية، هذه الخطوة هي مجرد البداية، تليها تدريجياً محاولات لتقليص حقوق المسلمين في المسجد وإلغاء وجودهم في الأراضي المقدسة.
السيطرة على المسجد الأقصى ليست هدفاً دينياً فقط، بل لها أهداف سياسية أيضاً، يُعتبر التصعيد في الأقصى بمثابة إعلان سيطرة واستقلال سياسي، وإضافة إلى ذلك، هناك نية لقيام الجماعات التلمودية بإحياء الهيكل المعنوي، من خلال أفعال تدنس مقدساتنا الإسلامية مثل ذبح القرابين الحيوانية في الأقصى وتلاوة التوراة، كلّ هذا يجري تحت نظر العالم العربي والإسلامي دون تحرك يذكر.
بعد ذبح البقرة التي تمّ تحضيرها جينياً في أميركا، من المتوقع حرق جثتها ونثرها على الحاخامات، وهذا يشير إلى إمكانية تكرار الاقتحامات بشكل يومي، مع وصول الأعداد إلى 2000 شخص صهيوني، هدفهم التالي هو إزالة مسجد قبة الصخرة لإقامة الهيكل، رغم اعتراض بعض الوزراء الصهاينة على الاقتحامات. لكن دعم بن غفير والأصوات المتطرفة يجعلهم يستمرون في سعيهم، محاولين طمس الاعتراضات.
تلك الأفعال لا تقتصر على تعديات المقتحمين على سكان القدس ومحلاتهم التجارية، بل تُهدّد بإشعال فتيل الصراع وتحويل سكان القدس العرب إلى قنبلة موقوتة. نحن على أعتاب حرب عقائدية وسياسية قد تؤثر بشكل كبير على أوضاع المنطقة بأسرها…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى