كيف لصمتنا أن يدوم وحرمة شهدائنا تُنتهك؟
شيماء ناصر الدرة
لم يكتفِ جيش الاحتلال الإسرائيلي بجرائمه ضدّ الفلسطينيين من قتل وتهجير، بل أضاف جريمة بشعة الى سجله الإجرامي الأسود، وهي نبش القبور واختطاف جثامين الشهداء في قطاع غزة لسرقة الأعضاء منها ونزع جلودهم، التي كان آخرها في مجمع ناصر الطبي في خانيونس جنوب قطاع غزة، حيث تمّ العثور على جثث دون رؤوس وأجساد دون جلود وبعضها سُرقت منها الأعضا، ليُكمل جريمته بحقهم أحياء وأموات، في ظلّ صمت دولي تجاه الجرائم المرتكبة، وتغطية من أميركا التي تواصل دعمها غير المحدود للآلة الصهيونية عسكرياً ومادياً وسياسياً.
وتعدّ سرقة الاحتلال أعضاء جثث الفلسطينيين قضية قديمة يُعاد طرحها من جديد بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضي، مع وجود عديد من الوثائق والشهادات الموثقة التي تثبت ذلك، فضلاً عن اعتراف الاحتلال بارتكابه هذه الجريمة.
أعادوا جثثهم بلا أعضاء!
يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة إنه بعد معاينة الجثامين، تبيّن أنّ «ملامح الشهداء قد تغيّرت بشكل كبير. وبحسب الطواقم الطبية، فإنّ الجثث لم تتعرّض لتحلّل طبيعي بل لتدخل بشري»، وتمّ العبث فيها وسرقة أعضاء منها. وخيطت الكثير منها في أماكن كثيرة، في إشارة واضحة إلى سرقة أعضاء حيوية من أجساد هؤلاء الشهداء»!
يتابع الثوابتة: «للاحتلال الإسرائيلي سجلّ طويل في العبث بجثث الشهداء والأسرى. وقد احتجز جثامين أكثر من مرة خلال حرب الإبادة الجماعية. كما وثقنا نبش قبور في جباليا شمال القطاع وسرقة بعض جثامين الشهداء منها. ويتعمّد الاحتلال الإسرائيلي الإبقاء على عدد من الجثث حتى تتحلل وتسهل عليه سرقة ما أراد من الأعضاء البشرية».
ويشير الثوابتة إلى أنّ الطواقم الطبية لم تتمكّن من فتح الأكياس في المستشفى، وعمدت إلى فحصها وتوثيق أحوالها قبل الدفن. ومن المشاهد الصادمة وجود 17 جثة مقطوعة الرأس، وقد وضعت بعض الرؤوس إلى جانب الجثة في كيس واحد، وكانت أخرى من دون رؤوس تماماً. كما نزعت فروة الرأس عن الجمجمة.
شهود عيان
الشاهد عمر سالم، شقيق الشهيد أحمد سالم (30) عاماً… كان جيش الإسرائيلي قد اختطف جثمان شقيقه بالإضافة إلى جثامين عشرات الشهداء بعد التوغل البري، لكنه صُدم حين رأى الجثة، إذ كانت هناك آثار خياطة في منطقة الصدر وخلف الرأس، علماً أنّ الإصابة التي أدّت إلى استشهاده كانت في مكان آخر من الجسم. يؤكد عمر أنه هو من نقله إلى مجمع الشفاء الطبي «أّي أنه رأى جثته».
استشهد أحمد في 12 نوفمبر الماضي، وكان ينتظر دفنه في مقابر غير تلك التي دفنت فيها الدفعة الأولى من شهداء مجمع الشفاء الطبي، وبقيت جثته ثلاثة أيام في المجمع قبل أن تقتحمه قوات الاحتلال الإسرائيلي وتأخذ جثته بالإضافة إلى جثث أخرى.
كما أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن مخاوفه بشأن «سرقة أعضاء» مفقودين فلسطينيين وجثث شهداء، في العدوان الأخير على غزة، يأتي ذلك بينما تقدّر الأرقام الحكومية وجود نحو 7 آلاف مفقود تحتجز «إسرائيل» عشرات منها.
ووثق المرصد الأورومتوسطي، احتجز جيش الاحتلال جثث شهداء من مجمع الشفاء الطبي في غزة، والمستشفى الإندونيسي في شمال القطاع، كما لفت إلى حالات أخرى من محيط ممر النزوح إلى وسط وجنوب القطاع الذي خصّصه على طريق صلاح الدين الرئيسي.
وأثار المرصد الأورومتوسطي شبهات سرقة أعضاء من جثث الشهداء، بينها ملاحظات أدلى بها أطباء في غزة أجروا فحصاً سريعاً لبعض الجثث بعد الإفراج عنها ولاحظوا سرقة أعضاء مثل قرنية العين وقوقعة الأذن، وأعضاء حيوية أخرى مثل الكبد والكلى والقلب.
الاحتلال يسرق الاموات
وقال حكيم عوض، وهو مواطن غزاوي وناشط اجتماعي يقيم في شمال القطاع، إنّ قوات الاحتلال اقتحمت عدة مقابر في منطقة الشجاعية ومحيط المستشفى الميداني الأهلي في منطقة الساحة وسط مدينة غزة، وقال إنه شاهد قوات الاحتلال تستخرج الجثامين وتنكّل بها، وأكد أنه تمّت سرقة جثامين الشهداء في شمال القطاع المنكوب.
وتابع حكيم قائلاً: إنّ جرائم الاحتلال التي تتمثّل بسرقة الجثامين ما هي إلّا لسرقة الأعضاء منها، واستخدامها في كليات الطب وزرعها في أجساد المستوطنين وربما بيعها، وتتمّ سرقة جثامين لبعض القياديين للتنكيل بها، ولكسر هيبة وحرمة وقدسية هذا الشهيد. وأضاف أيضاً أنّ العبث بالمقابر وتجريفها ما هو إلّا نكاية بالشعب الفلسطيني الذي يمجّد الشهداء.
ويتساءل الطبيب الفلسطيني سهيل مطر «كيف يمكن لإسرائيل أن يكون فيها أكبر بنك للجلد في العالم، رغم عدم تقبُّل فكرة التبرّع بالأعضاء من الناحية الدينية؟»
وأشار إلى أنّ «هذه الدولة عدد سكانها 5 ملايين نسمة محرّم عندهم دينياً أن يتبرّعوا بالأعضاء أو يتبرّعوا بالجلد، فـ من أين لهم هذا المخزون الاحتياطي الكبير الذي لو جمعنا كلّ مراكز العالم تجد أنّ المركز اليهودي لتخزين الجلود أكبر من كلّ مراكز العالم»، مبيّناً أنه «في غياب المتبرّعين اليهود فإنّ المصدر إما جثث شهدائنا، أو أنه في كلّ حرب تدخل إسرائيل على المقابر وتسرق الجثث».
وشدد على أنّ هناك مخاوف من استمرار الجيش الإسرائيلي في سرقة الجثث لزيادة العدد الموجود في حوزته واستغلاله خلال المفاوضات، إضافة إلى مخاوف من «تجارته بالأعضاء والجلود».
سياسة قديمة جديدة
في العام 2008، نشرت شبكة «سي أن أن» الأميركية تقريراً كشفت فيه النقاب عن معطيات جاء فيها «أنّ إسرائيل تعتبر أكبر مركز عالمي لتجارة الأعضاء البشرية بشكل غير قانوني»، وكشفت النقاب عن تورّطها في جريمة قتل فلسطينيين بهدف سرقة أعضائهم الداخلية والاستفادة منها بشكل غير شرعي، والاتجار بها ضمن شبكة دولية بشكل غير قانوني، وأنّ دولة الاحتلال هي الدولة الوحيدة التي تحتجز جثامين الشهداء، وتنتهجها كسياسة، في مقابر الأرقام.
وكشفت الطبيبة مئيرة فايس فى كتابها «على جثثهم الميتة» عن سرقة أعضاء من جثث شهداء فلسطينيين لزرعها في أجساد مرضى يهود، واستعمالها في كليات الطب في الجامعات الإسرائيلية لإجراء الأبحاث عليها.
لكن الأخطر من ذلك ما أقرّ به «يهودا هس» المدير السابق لمعهد أبوكبير للطب الشرعي في «إسرائيل»، بشأن سرقة أعضاء بشرية وأنسجة وجلد لقتلى فلسطينيين في فترات زمنية مختلفة، دون علم أو موافقة ذويهم، قائلاً: «لقد أخذنا القرنيات والجلد وصمامات القلب والعظام من جثث الشهداء الفلسطينيين»!