هل إيران دولة صديقة أم عدوة للعرب؟
د. أوس نزار درويش
تساؤل منطقي يُطرح، وفي هذا المقال سأطرح بعض الحقائق عن علاقة إيران بالمنطقة العربية ثم سأترك في النهاية للقارئ الكريم الإجابة على هذا السؤال،
شكلت إيران في العهد الشاه نشاهي وبالتحديد في فترة الشاه محمد رضا بهلوي خطراً كبيراً على العرب، وكان لها أطماع كبيرة في المنطقة العربية وتجسّد هذا من خلال احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث عام 1971 ومحاولاتها المستمرة في السيطرة على شطّ العرب والتهديد المستمر من الشاه محمد رضا بهلوي باحتلال البحرين بحجة أنها جزء من إيران، هذا بالإضافة إلى العلاقة القوية جداً آنذاك بين إيران والكيان الصهيوني حيث تعتبر إيران الشاه من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني، وقام الكيان الصهيوني بمساعدة الشاه في إنشاء جهاز المخابرات «السافاك» السيّئ الصيت، والذي استخدمه الشاه لقمع الشعب الإيراني وأصبح وقتها الشاه الإيراني القاعدة الأمامية للمصالح الصهيونية الأميركية في المنطقة، حيث لقبت بـ «شرطي» المنطقة، وبالرغم من كلّ هذه الأمور كان ملوك وأمراء دول الخليج العربي يحبّون الشاه ويهابونه وعلاقتهم به كبيرة جداً، ثم بعد نجاح الثورة الإسلامية عام 1979 وإعلان الثورة معاداتها للكيان الصهيوني العدو الأساسي للعرب وتسليم السفارة «الإسرائيلية» لمنظمة التحرير الفلسطينية لتصبح السفارة الفلسطينية حيث تعتبر إيران الثورة أوّل دولة غير عربية يكون فيها سفارة لفلسطين.
وبسبب هذا قامت أميركا بتحريض صدام حسين على غزو إيران بتمويل من الدول الخليجية واستمرّت على اثرها الحرب بين العراق وإيران ثماني سنوات قتل فيها ما يزيد عن مليون من الطرفين، وخرجت العراق وإيران في نهاية الحرب منهكتين اقتصادياً وعسكرياً، وهذا كله كرمى لعيون الكيان الصهيوني،
بالإضافة لهذا فمنذ نجاح الثورة الإيرانية وإلى يومنا هذا وأميركا والكيان الصهيوني تقومان بتحريض الأنظمة الخليجية لإثارة مسألة الخلاف السني الشيعي بحجة أنّ إيران تريد أن تنشر المذهب الشيعي وتشيّع الدول العربية، وأصبحت هذه المقولة نكتة سخيفة يردّدها الببغاوات المتعصّبون، هذا مع العلم أنّ إيران نفسها فيها أكثر من عشرين مليون مسلم سني والأوّلى لو أنها تريد أن تشيّع المنطقة أن تبدأ بشعبها أولاً، ونحن نعلم أنه في المنطقة الشرقية من السعودية وبالتحديد في الإحساء والقطيف والعوامية الناس هناك كلهم شيعة، والبحرين غالبيتها من الشيعة، ولو أرادت إيران العمل بنفَس طائفي لحاولت تحريك بعض المواطنين هناك لإثارة القلاقل وخصوصاً أنّ الكثير من أهالي هذه المناطق وخصوصاً في البحرين قد انتقدوا إيران لعدم مساندتها التظاهرات هناك، ولكن إيران لم تشأ التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها.
ويجادل البعض أنّ إيران قد أنشأت أجنحة عسكرية لها في العالم العربي كحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق.
الكلام صحيح في جزء منه وخطأ في الجزء الآخر، فإيران ساعدت في إنشاء أجنحة عسكرية لمصلحة البلدان التي أنشأتها فيها فعندما ساهمت إيران في مطلع الثمانينات من القرن الماضي في تأسيس حزب الله في لبنان لتحرير أرضه وليكون مقاومة ضدّ الكيان الصهيوني، وبالفعل هذا ما كان، فلولا حزب الله والدعم الإيراني له لما تحرّرت الأراضي اللبنانية، فحزب الله حرر الأراضي اللبنانية من الكيان الصهيوني ولم يحرّر الأراضي الإيرانية، وحزب الله قاتل في لبنان دفاعاً عن أرضه ولم يقاتل في طهران ولم يسبق لإيران أن طلبت من حزب الله أن يأتي للدفاع عن إيران، فالغرض من إنشاء حزب الله هو مقاومة الكيان الصهيوني، أما في العراق فيقول الكثيرون إنّ إيران في الفترة الأخيرة قد سيطرت على العراق سيطرة كاملة وجعلتها محافظة إيرانية، ولكن هذا الكلام غير صحيح بالمطلق، فبالرغم من حالة العداء الكبيرة بين إيران وبين النظام العراقي السابق فإنّ إيران رفضت الغزو الأميركي للعراق وكان هذا على لسان رئيسها آنذاك (محمد خاتمي) الذي صرّح قبل أيام قليلة من بدء الغزو الأميركي على رفضه لهذا الغزو، كما أنّ الجيش الأميركي انطلق في هجومه على العراق من الدول الخليجية المجاورة ولم ينطلق من إيران ثم بعدها اضطرت إيران بحكم جوارها للعراق لأن تتصدّى للمشاريع الأميركية ولمصالحها لإدخال نفسها في المسألة العراقية ودورها في الموضوع العراقي يوجد فيه بعض السلبيات منه اعتمادها ودعمها بعض الشخصيات والأحزاب الفاسدة الذين أساؤوا كثيراً للدور الإيراني، لكن إيجابيات إيران كانت أكبر بكثير داخل العراق، فإيران هي من حمت العراق عندما تمّ غزوها من العصابات الداعشية وتمّت السيطرة على ثلثي مساحة البلاد في حزيران من عام 2014 فقامت إيران وقتها بالمساعدة بتأسيس الحشد الشعبي على يد الجنرال الشهيد (قاسم سليماني) وكان من نتيجة هذا أن قام العراقيون بتحرير أراضيهم بالكامل عام 2018 في الوقت الذي كان يقول فيه أوباما إننا نحتاج لعشرات السنوات للقضاء على داعش .
وإيران في وقوفها مع القضية الفلسطينية بوجه الكيان الصهيوني يُعتبر وقوفاً مبدئياً وصادقاً بالرغم من كلّ العقوبات والحصار الاقتصادي الذي تعاني منه مع أنها تستطيع لو أرادت أن تقيم علاقات قوية مع الكيان الصهيوني وتبيع القضية الفلسطينية وتعيش بشكل مرتاح وتعود شرطي المنطقة كما كانت في السابق ولكنها أبت أن تفعل هذا وهي تدعم كلّ حركات المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح في الوقت الذي تهرول فيه الكثير من الأنظمة العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني وبيع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
وفي النهاية فإننا نرى أنّ مصلحة العرب مع إيران، وأن يضع العرب أيديهم بأيدي إيران، وأن نتعالى عن الخلافات الجانبية البسيطة التي يغذيها الكيان الصهيوني، لأنّ إيران دولة أصيلة في المنطقة ولها تاريخها الكبير مثل العرب، أما الكيان الصهيوني فهو كيان لقيط تمّ زرعه لتخريب المنطقة والسيطرة عليها. فيجب أن نتعاون نحن العرب وإيران لاستئصال هذا الكيان المجرم واستعادة أراضينا المغتصبة بإذن الله.
*كاتب وباحث سوري وأستاذ جامعي في القانون العام