بين القول والعمل والجدّ والهزل…
د. عمر الحامد*
انّ هذه الأيام المباركة التي نعيش فيها ما هي إلا نتاج دماء شهداء شعبنا الفلسطيني التي تعبق الشموخ والنصر والصبر وتسطر كربلاء جديدة بالصبر على هذه المجازر والتقتيل والإجرام، وهذه الدماء أسقطت الإنسانية وادّعاءاتها وأسقطت كلّ منظومات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومحكمة الجنايات الدولية ومنظمة الصليب الأحمر وكافة المنظمات والهيئات الدولية وصولاً الى إسقاط منظمة المؤتر الإسلامي وجامعة الأعراب كما تسقط الإسلام السياسي المبني على التخاذال والطائفية والوهابية.
انّ أحدث ما قاله المجاهد يحيى السنوار «بعدما أخذ الكتاب بقوة» إننا سنقاتل مائة عام إنْ اقتضى الأمر وسنستعيد فلسطين، يقابله ما صدر عن مؤتمر القمة العربي والاسلامي 57 دولة هو شجب الإفراط في استخدام القوة من قبل «إسرائيل»!
لقد غرقنا نحن في لعن التشيّع والايلاغ في نشر الفساد والفرقة العربية والإسلامية وذلك بتوجيه وترتيب من النظام الرسمي العربي الذي صوّر لنا انّ العدو الأكبر هم الشيعة، وأنّ الحرب الحقيقية نخوضها ضدّ الصفوية والفرس، وانّ «إسرائيل» ليست عدواً بل صديق! ولو انّ هؤلاء القتلة المجرمين يقولون عنا «غوييم في كتبهم»، ايّ عبيد او بغال وأننا خُلقنا لخدمتهم، فـ «الإسرائيليون» الذين يقتلون شعبنا بآلاف المجازر هم «أصدقاء»! بينما الشيعة الذين يغلقون البحار من المتوسط الى البحر الاحمر ويقصفون إيلات ويطلقون الصواريخ من جنوب لبنان، وقد قدّموا مئات الشهداء والجرحى، كما كانت مواقفهم مع فلسطين تاريخياً وهم يزوّدون المقاومة بالمال بالسلاح… صفويون أعداء الأمة! وقبلها اصطنع لنا هنيري كيسنجر (الصهيوني) أعداء من نفس الأمة العربية ففرّق بين شام ومصر وصنع أنظمة وظيفية ترهب الشعوب العربية وتعذبها وتفسد بين شعوبها، ولاحقاً انتقلوا الى الحرب الناعمة!
وما يجري الآن بين الجدّ والهزل وبين المسرحيات والعمل هو نتاج هذه الحرب الناعمة وما التهكّم بشأن هو متوقع من ردّ إيران بضربة قوية ذات اثر استراتيجي، وليست حرباً شاملة في هذه المرحلة لأنّ القانون الدولي يسمح لإيران بردّ مماثل وليس بحرب شاملة كردّ على اغتيال الشهيد هنية على أراضيها وانتهاك سيادتها، وإلا قد يستخدم ذلك ذريعة للغرب بأنها تنتهك القانون الدولي وقد يقول أحدهم وما القانون الدولي وما هو انتهاكه وهو يمسخ كلّ يوم صهيونياً وأميركياً؟ إنه منطق القوة وعدم بناء تحالف عالمي ضدّ «زعرنة» أميركا وزبانيتها، وكي لا يقع الذكاء الإيراني ضحية لإجراءات ومبرّرات ولو كانت شكلية والتي اوقعوا فيها بوتين وصدام… أضف الى ذلك عدم اعتراف الكيان اللقيط بالعملية وتسويقها عبر الإعلام العبري (الأعرابي) على أنها عبوة داخلية وهذه لعبة الإعلام الصهيوني، بروتوكولات صهيون 1897، ولذلك أوعزوا للدمية الإيرانية المعارضة والتي تعمل في «نيويورك تايمز»، فرناز فسيحي، نشر ذلك في الصحيفة وتمّ تسويقه كخبر موثوق كونه من هذه الصحيفة. كما انه لم تتمّ إدانة العملية من الأمم المتحدة من الناحيتين السياسية والقانونية، ولذلك دعت إيران الى اجتماع مؤتمر العالم الإسلامي لإدانة العملية لكن كما هو معروف لدى الجميع انّ أميركا هي من صنعت هكذا منظمات وهيئات مثل المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية «تفوح منها رائحة الطائفية البغيضة» فخرج بيان القمة تافهاً سمجاً لا يصلح ان يصدر عن جمعية خيرية.
ولذلك تأخر الردّ الإيراني والذي أرى انّ من بعض أسبابه:
1 ـ انّ إيران تسعى منذ زمن للحصول على أسلحة روسية استراتيجية، وقد زار رئيس الأمن القومي الروسي طهران لتلك الغاية وهذه فرصة أخرى لروسيا لتنتقم للتدخل الاميركي والسلاح الاستراتيجي الذي زوّدت به أميركا أوكرانيا.
2 ـ انّ إيران في المراحل الاخيرة من تخصيب اليورانيوم كما يتمّ نشره، ولكني أرى انّ تسريبات الردود الإيرانية على تهديد الكيان اللقيط باستعمال السلاح النووي ضدّ طهران قوبل بأنّ إيران سوف تردّ بنفس الاسلوب ودون تفصيلات بمعنى انّ طهران استكملت البرنامج.
3 ـ سعت إيران ولو شكلاً الى «محاولة» تحييد قرارات بعض أعراب الصهينة بالتصدي لهجومه على الكيان ولضمان عدم إسقاط صواريخها وهي تعبر الى الكيان اللقيط، لذلك التقت الدبلوماسية الإيرانية مع بعض تلك الدول وأوصلت رسالتها لهم بوضوح، ومن هنا فإنّ أميركا والكيان تحاول لعبة تسريب موعد الضربة حتى أنها استنفذت كل المواعيد والأيام ويمكن الأسابيع، وهذا الاستنزاف جزء من ذكاء محور المقاومة «سياسة الضفدع المطبوخ» ولإنهاك الأعداء والأعراب نفسياً واقتصادياً واستنفاذاً للاستعداد ولإرباك التنسيق بين الكيان وأعراب الصهينة الذين سيحاربون هذه المرة علناً مع الكيان اللقيط، وهم يعرفون ما أعدّ لهم من اندفاع الجبهة الشرقية، ولذلك نقلت أميركا خلال هذه الأيام حوالي ثلاثة آلاف من داعش الى مناطق جنوب سورية.
أما طاقم التشجيع الأعرابي الذي يجلس على المدرّجات، وهم ينتظرون ويتمنّون ان تتوسّع الحرب وهم من شجع الكيان على اغتيال الشهيد هنية في طهران لإثارة الردّ الإيراني «المتهوّر» ليحققوا أحلامهم بالهجوم علناً على لبنان واليمن وغزة والعراق، ولذلك لا يكفيهم الصمت بل يشاركون متل الصبيان والأطفال والرعاع عبر الميديا المختلفة وقنوات العبرية والحدث وحتى بعض القنوات التي تستخدم القوة الناعمة والتي أشار اليها الكاتب جوزيف ناي في كتابه «القوة الناعمة» عام 2004، وكنت شاركت بالأمس في ندوة حول هذا الموضوع في بغداد، وطبعاً فإنّ ألاعيب أطفال الأعراب عبر نشر انّ هذه الأمور مثال المسرحية ويستعملون كلّ ألاعيب التهكّم كونهم فاقدي الشرف والنخوة والإسلام والعروبة، حتى وصل ببعض الطائفيين الساقطين من تزوير مقاطع فيديو للقائد السنوار يستعجل الردّ بل هم يستعجلون ما يفكر به النتن ياهو (من أحلامهم باستسلام غزة) وتركيز الأعراب عليه لزيادة القتل والضغط، فهم يفكّرون بالذلّ ولا يفكرون بالنصر كما سبق ان استسلمت في الحرب العالمية الثانية الدنمارك خلال 6 ساعات ولوكسمبرغ في يوم واحد، وفرنسا في 46 يوماً وهولندا خلال 5 أيام وبلجيكا خلال 18 يوماً (ولا يعلمون انّ هؤلاء فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى»، وانّ هذه الفئة التي حدثنا عنها الرسول، هم رجال آل بيته الكرام، هؤلاء يذكرونني بالدول الوظيفية وما نشره لورنس العرب في مذكراته (في كيفية فبركة المسرحيات) حيث قال «أتقنت دوري حتى أنني كنت أصلّي قيام الليل عندما أكون وحيداً، وكذلك وصل بهؤلاء حدّ تزوير أسماء أهل البيت لإحكام الإساءة لله ورسوله، وهم مشروع التآمر على الأمة وأهدافها، وانّ محور المقاومة أعدّ العدة استراتيجياً وعسكرياً وفنياً على طريق النصر القريب ان شاء الله…
*محام وكاتب فلسطيني