قراءة في رسالة غزة إلى الضاحية الجنوبية
سعادة مصطفى أرشيد*
انقضى على الحرب في غزة 315 يوماً من الصمود والقتال البطولي غير المتكافئ لا في العدد ولا في العدّة ولا في النصرة في حين صمَد مجتمع غزة، وأبدى صبراً أسطورياً استراتيجياً عزّ نظيره وبما يذكّر بمعارك مجيدة خلّدها التاريخ وبعدما يزيد على 40,000 شهيد ثلثهم من الأطفال ومعظمهم من المدنيين ومن مختلف الأصول والأماكن والمنابت بحيث لا يوجد في غزة أحد لم يفقد عزيزاً أو أعزاء. من هنا نستطيع أن نقدّر الوضع الصعب الذي تمرّ به غزة عسكرياً وإنسانياً. ومن هنا أيضاً يتوجّب علينا قراءة الرسالة التي أرسلتها المقاومة الفلسطينية في غزة للمقاومة اللبنانية منذ أيام وأن نقرأها قراءة سياسية لا بيانية.
شكت فيه المقاومة الفلسطينية في غزة من خذلان بعض العرب والمسلمين ولا بدّ أنّ من بينهم من سبق لها أن راهنت على دعمهم وصادقتهم وحالفتهم في مطلع الربيع العربي الزائف، وأنها تقول في ما بين سطور الرسالة إنها قد أصبحت في مسيس الحاجة الى الدعم والإسناد ورفع مستوى المشاغلة لتخفيف الضغط الذي قد وقع عليها وهي تنتظر بلهفة وحاجة ما وُعدت به من قبل محورها وأصدقائها وحلفائها الحقيقيين الذين صرّحوا المرة تلو المرة أنّ المعركة في غزة هي معركتهم وأنه من غير المسموح به هزيمة المقاومة الفلسطينية والتي يعتبرها المحور هزيمة له وأنها في حال حصلت لا قدّر الله فهي هزيمة لكامل المحور الذي سيقول عندئذ أُكلت يوم أكِل الثور الأبيض.
تدرك المقاومة الفلسطينية في غزة تمام الإدراك مع محادثات التهدئة سواء تلك التي عقدت في الدوحة أو التي قد تُعقد لاحقاً أنها لن تصل الى أيّ نهايات حميدة توقف الحرب المجنونة. وما المبادرة الأميركية الأخيرة التي حملها وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلا إعادة تدوير لنفايات المبادرات السابقة والتي تحمل المطالب (الإسرائيلية) او تلك التي تفترض أنّ المقاومة الفلسطينية قد هُزمت لا بل سُحقت وأنّ الحاضنة الشعبية للمقاومة قد أنهكتها الحرب وأخذت تنفك عن دعم المقاومة لتقبل بمبادرات كهذه، أنها تقول للمقاومة أفرجوا عن الاسرى المحتجزين لديكم لنعود ونقتلكم من جديد ونحن أكثر ارتياحاً ومن جانب آخر ثمة وظيفة جديدة للمحادثات وهي تأجيل الردّ الإيراني على اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران وردّ المقاومة اللبنانية على اغتيال الشهيد فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية واستثمار الوقت في تقديم مزيج من الإغراءات المصحوبة بالتهديدات لكلّ من إيران ولبنان على أمل زائف بأن لا تحدث الردود القاسية التي قد تتطلب ردوداً على الردود وردوداً على ردود الردود.. وهكذا إلى أن تنزلق الأمور الى حرب إقليمية شاملة أو على الأقلّ مع لبنان.
مع ما تعانيه المقاومة الفلسطينية في غزة من أوقات صعبة فقد ظهرت بعض نتائج ذلك في الضفة الغربية عند تنفيذ عملية فدائية في داخل تل أبيب مع التلميحات في البيان الصادر عن كتائب القسام أنّ النشاط سيزداد في الضفة الغربية مما يشير الى احتمال اتخاذ المقاومة قراراً بإشعال الجبهة الشمالية (جبهة الضفة الغربية) التي تعاني من ضغط “إسرائيلي” شديد.
قد لا يكون “الإسرائيلي” قد أخذ ضوءاً أخضر أميركياً بشنّ حرب إقليمية شاملة، ولكن من الأكيد أنه أخذ ضوءاً برتقالياً بالاستعداد لها وبرفع مستوى الاشتباك، وهذا ما أصبح ملحوظاً منذ عودة نتنياهو من واشنطن، وكان يوم أمس ملحوظاً بقصف مخازن السلاح (حسب زعمه) في البقاع وحادث الاغتيال في صيدا، فمتى سيكون الردّ من المقاومة برفع مستوى الاشتباك بما يساعد غزة ويدعم صمودها؟
هذا ما تنتظره غزة وينتظره جمهور المقاومة.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة